كَيْفَ أُواريْ وَجْهَ الطّينْ...؟
كَيْفَ أُواري وجهَ الحزنِ المدفونِ بأَسْدافِ العمرِ
وأَنا في ظلِّ الرّوحِ سَجينْ؟
كيفَ وقدْ خَذَلتني الأفراحُ على أطرافِ الحلمِ
سرقتني سِكِّينُ الأهلِ...
وذاتَ صَباحٍ...
ودَّعني السَّرْوُ إلى أجلٍ.. مَجْهولٍ.
نَشَجَتْ واحدةٌ في السّرِّ وقالتْ: ترحلُ مَعنا.
أُفْردْتُ علىأبوابِ الحاناتِ.. وحيداً
لا تَقْبَلُني أو تَرْفُضني
وصَحوتُ على أنباءِ المذْياعِ
وَقَدْ... شَطَرتْني
رَسَمَتْ خَطّاً بالنّارِ على صَدريْ.. والوطنِ
وقفتْ قدمايَ على الخطِّ المحروسِ بنارِ لغاتٍ
لا أعرفُها
ناداني وطني الشَّرقيُّ.. فلبيَّتُ.. تَلقّاني...
برصاصِ الأهلِ... الغرباءْ
وشَكَوْتُ إلى وَطني الغربيِّ..
فواساني..
بقذائفَ من \"فُسْفُورِ\" الحزنِ
وصاحَ بظلِّي صوتٌ تسكنُهُ العُجْمَهْ:
- لا تَعْبُرْ هذا الخطَّ المَرْصُودَ.
- فمتى أحدثْتُمُ هذا الخطَّ...
وكيفَ أواصلُ بَعْضِيْ...؟
كيفَ.. وأحبابي خلفَ الخطِّ
وبُقْيَا من خَمرٍ لاذِعةٍ، من بُقْيا.. وَطَني؟؟
***
- هَلْ تَرْقَى خارطةَ الأحزانِ تِلالاً، وجبالاً..
أينَ تريدُ...؟
-في خارطةِ الأحزان تضاريسٌ،
لا يرقاها الإنسانُ الطّينُ،
ويرقاها الشاعرُ والحلمُ المعبودُ.
- فأينَ تريدُ؟!
تَمْضِي، تَتَلقّاكَ كُهوفٌ مُوحِشَةٌ...
غاباتٌ.. راياتٌ.. وبُنُودُ
تَتَقاذَفُ رأسَكَ أَسْلاكٌ خانِقةٌ... وحُدودُ
يثقلُ كاهلَكَ الوْجْدُ...
وحُمَّى الشَّوقِ إلى الأحبابِ
ولَيْلٌ أبَدٌ.. مَمْدودٌ
غابَ الأحبابُ وراءَ غياباتِ الجبِّ
وأنيابِ الذّئبِ
وماتَتْ ذاكرةُ الأرضِ
وغاضَ الماءُ المَورودُ
عَمِيَتْ عيناكَ...
وأنتَ تَدُسُّ الأنفَ بأشلاءِ قميصٍ... ماتركوهُ
أوَ تبكيْ وَهْماً مأسوراً؟!
نازعَكَ الذّئبُ حُشاشَةَ روحٍ واجفةٍ...
مِزَقَ الأحبابِ...
ومازالتْ...
تَتَشَمَّمُ ريحَكَ بعضُ كلابِ السّلطانِ
ومازلتَ تُخاتلُ بينَ تضاريسِ القمعِ المُهْلِكةِ
صَوتاً.. بَدوّياً.. مكسورَ اللّحنِ
فأينَ تريدُ؟!
- النَّبْعَ.. أريدُ
اُدْخُلْ مَلَكُوتَ اليأسِ وقاعَ الكأسِ
اُدْخُلْ ملكوتَ الخمرِ، يواصِلْكَ الأحبابُ
ويستأنسْ في أضلاعِكَ هذا الجمرُ... المفؤودُ.
***
ياأحمرُ ...
يا بُقْيا وطني
مَهلاً ، خُذْني
إنّي أطرقُ بابَكَ منذُ زمانٍ أزليٍّ،
أطرقُ بابكَ، أُلقي أسلحَتي، أستسلمُ مُنْقادا
أَدْخلني في الغيبوبةِ ، في ملَكوتكَ
قُدْ بِيْ نحوَ ينابيعِ الأسرارْ
ثُمَّ اطْرَحْني
في قارعةِ الوطنِ، اللاَّوطنِ.
هذي نوقُكَ تُرْحِلُني في فلواتٍ هالكةٍ
تَطوي الغدرانَ...
غديراً إثرَ غدَيرٍ
لا تَتَلَبَّثُ أَوْ تَبْتَرِدُ
وأنا.. حَلْقٌ... رَمْلٌ.. صَهدُ
تفتحُ فيه أَفاعي العطشِ الرَّقْطاءُ بِئاراً وبئارا
فَلْتَطْرَحْني...
ولعلَّ الوطنَ الغربيَّ أو الشرقيَّ يقابلني، أَوْ يَقْبَلُني.
- لكنَّ العُجْمَةَ تسكنُهُ.. أَوْ.. تأسِرُهُ
تَسْلَخُ عنه الجلدَ ونخلاً.. مَعْقُوراً... لا ينجبْ
تَسْتَنْبِتُ تحتَ الجلدِ المشروخِ رمالاً من صَبَّارٍ
وعُيوناً...
تَرصُدُ أَخْفَى ماتَهْجُسُ في عُمْقِ جُحوركَ...
في سِرِّ السرِّ
فتعالَ إليَّ.. أُهَرِّبْكَ
تحتَ جَبيرةِ ضِلعي المكسورِ
ندخلْ في مَلَكوتِ غياباتِ الخمرِ حُشاشاتٍ ذاهلةً
يتوضَّأُ فينا العقلُ بأمواهٍ زائفةٍ
أوْ... نخلعُ رَأسَيْنا لكلابِ العُجمةِ
نَمضي.. ظِلَّينِ قَتيلينِ.
***
سقطَتْ في شَرَكِ الرُّوحِ سَحابَةُ وَجْدٍ
كانت هائمةً،
تَرْحَلُ في ملكوتِ العشقِ
حطَّتْ في كُوَّةِ قلبٍ أتلفَهُ الصَّيفُ
جالتْ عيناها في الدّاخلِ...
حيثُ الزّعترُ يَخْضَوْضِرُ في ظلِّ بنفسجةٍ كاسِفَةٍ
أعشى عينيها الطَّلُّ صباحاً إثرَ صباحٍ .
- أَتْعَبَكِ الترَّحالُ...
فهلاّ ارتحتِ بهذا القلبِ قليلاً.
- لا ظلَّ لديكْ.
- أَحْرَقَني العشقُ...
وهذا الصَّاهلُ في فَلَواتِ العُمْرِ نَشيداً مَحْموماً
أَلْقاني عندَ النَّبْعِ المسحورِ بَقايا شِلْوٍ... مَنْزُوفٍ.
آنَ ارْتَحلَ السَّروُ
نَشَجَتْ واحدةٌ، في السرِّ، وقالتْ: ترحلُ فينا.
مَدَّتْ نحوَ الجسدِ المُتْعَبِ قامَتَها الرُّمْحَ
تَلقّاني الأخضرُ في وَلَهٍ خَفِرٍ
أَخْفَيتُ الوجهَ بغاباتِ زُمُرُّدِها النّديانِ...
أَشُمُّ العطرَ العاشقَ فيهِ،
رائحةَ العَرقِ الواخزةِ
وتطاولَ فيَّ الفَرَحُ المنسيُّ
ونادتني الأُنثى
فَزَقا في الداخل فَرْخُ يَمامٍ:
- لا تَرفَعْ صوتَكَ...
آذانُ كلابِ الصيّادِ.. بنا.. مُتَرَبّصةٌ
***
جاوزتُ فضاءَ الطّينِ
هَوَيْتُ... حُطاماً
- أينَ تريدُ؟
- خادَعني رِيشٌ... مَكْدودُ.
- كيفَ تجاوزْتَ حدودَ فضائكْ؟.
خَطّاً ...مَوْشُوماً بالنارِ على ذرّاتِ الجسدِ
وإلى الأبدِ؟!
- أغْراني حُلْمٌ... مَوعودٌ.
- أَدْخِلْ طينَكَ ذاكَ الحُجْرَ الرَّطْبَ وحاذرْ
أَنْ تعْشِيَ عينيهِ صباحاتٌ مُشْمِسَةٌ،
لا تَألَفُها.. تَعْمَى....
أَوْ يَعمى قلبٌ مَصْفودُ.
- أغريبٌ أَنْ يحلمَ هذا الدُّودُ؟!
- مَمْنوعٌ أن يقربَ أطرافَ الحلمِ
فَيُضِيعَ الدَّربَ إلى الأوكارِ،
ولا وقتَ لَدينا.. كيفَ يعودُ؟!
***
غافَلني القلبُ...
تناهَضَ نحوَ فضاءاتِ الروحْ.
جازَ الأبوابَ، تخطَّاها رَصَداً رَصَداً
هامَ فَضاءً إثْرَ فَضاءٍ، إثرَ فضاءٍ.
- جُزْ ماشئتَ فضاءاتٍ هالكةً.
- لكنّي ماكنتُ وحيداً
كانَ جناحايَ نخيلاً
عينايَ صُقوراً
وعصافيراً قَلبي.
- هذا \"هُدْهُدُكَ\" المأمولُ يعودُ حريقاً...
مُشْتَعِلَ المِنْقَارِ، فأينَ تحطُّ؟
- قَلبي لا يُخطئُ رائحةَ الشّيحِ ولا طعمَ التّينِ
قَلبي لا يخطئُ رُمَّانَتَهُ.
- غُيِّبْتَ طويلاً...
أَعْمَاكَ ظلامُ الجُحْرِ ، وأغواكَ طويلاً هذا الصَّبرُ
لازيتونَ ولا رمَّانَ لتعرفَهُ
بلْ طُوفانٌ من صَبَّارٍ.. يُغْرِقُهُ
هُدهُدُكَ المأمولُ...
يعودُ وقَدْ راودَهُ القَصْرُ،
وطَعْمُ الإغراءِ يُلَوِّثُ مِنْقَارَهْ
ولعلَّ جهاتٍ أخرى قدْ أغوتْهُ ...
فأتْقَنَ أجناسَ الخطِّ العربيِّ وغيرِ العربيِّ...
وألوانَ الحبرِ السِّرّيِّ وغيرِ السريِّ
وطقوسَ الرّقصِ على حبلينِ
أتقنَ فنَّ الرَّقصِ على أربعْ.
- لكنَّ الرائدَ لا يكذبُ أهلَهْ
وأنا أعرفُ أنّي وَطني
بلْ أسكنُهُ أَوْ يَسْكُنُني
لا أُخطئهُ أَوْ يخطئني
أعرفُ أنَّ الزّمنَ الجامحَ
في الأحداقِ الغَضْبَى..
زَمَنِيْ.