مَا لِلْهَوى إلا الرُّصافَـةَ مـأرَبُ بَعدَ الغَدير فكيفَ يصْفو مشـرَبُ
كانـا مـراداً للنّعيـم وَمَـوْرِداً إذْ كُنْت بَيْنَهُما أجـيءُ وأذهَـبُ
والإلْف لِلْميعـادِ بـي مُتَرَقّـبٌ والدّهر بالإسْعـادِ لـي مُتَقَـرِّبُ
وَتلاعَبت أيدي النوى بِهما وَبـي حتى انقضى لَعِبٌ وأقْفَر مَلْعـبُ
وللّـهِ أسْحَـارٌ بهـا وأصائـلٌ كانتْ تُفَضّضُ صبْغَـةً وَتُذَهّـبُ
وكـأنّ كافـوراً ومِسكـاً لَيْلُهـا ونهارُها ممّـا يَـروق وَيُعْجِـبُ
يزداد حُسْناً صبحُهـا بِرُوائِهـا ويكادُ يُشْرقُ من سناها الغَيْهَـبُ
تلكَ المَغاني لا حُجِبـنَ كأهلِهـا عَني فَوَجْدي سافِـرٌ لا يُحجَّـبُ
وَلعَمْرُ ما أنْفَقْت مِن عُمري بِهـا وجَنيْت مِن ثَمَراتِ عَيش يَعْـذُبُ
وَلأَغلِبَنّ عَلى السلـوّ صَبابتـي والشّوْقُ في كُل المواطن أغْلـبُ
ولأندُبَن بها الشّبـاب وشَرْخَـه إنّ الشباب أحَـقُّ فَـانٍ يُنْـدَبُ
ساحاتُ حُسْنٍ طَـرّزَتْ أوقَاتَهـا ساعاتُ أنسٍ رَدُّهـا مُسْتَصْعَـبُ
وأجرُّ أذْيـال الهَـوَادَة والهـوى يَقْتَادُني دَلُّ الحِسَـان فَأُصْحـبُ
كم جِئْتُ بينَ خَمائـلٍ وجَـداول مِنها أصعّد في المُنى وأصـوِّبُ
ومُغـازلاً فَتَيَاتهـا فـي فِتْـيـة مـا منهـمُ إلا أغَـرُّ مُـهَـذّبُ
بينَ الأباطحِ والرُّبى مُتَصَـرّفٌ ومَع الصّبابـة والصّبَـا مُتَقَلّـبُ
خَلَعوا على زَهْرِ الرّياضِ حُلاهُم فَغـدا بهـم خَيْريُّهـا يـتـأدَّبُ
نَسَبَتْه للكرم الصريـح شَمائِـلٌ أدَبيّـةٌ عنهـا يَنِـمُّ وَيُنْـسَـبُ
فَمَـعَ الصّبـاح تبتُّـلٌ وتَقَلّـصٌ ومـع الظـلام تبـذُّلٌ وتَسحّـبُ
كانتْ مآنسَ بل نفائسَ أصبحْـت مَسْلوبَةً وكـذا النّفَائـسُ تُسلـبُ
أين المذانِـبَ لا تـزال تأسُّفـا تَجري عليها من دُموعيَ مذنـبُ
من كُـلّ بسّـام الحَبـابِ كأنّـه ثغرُ الحَبيبِ وريقـهُ المُسْتَعـذَبُ
كالنّصـلِ إلا أنّــه لا يُتَّـقـى كالصّـلِّ إلا أنّـه لا يُـرْهَـبُ
تَقتـادُنـا أقْدامُـنـا وجِيـادنـا لجنابهِ وهوَ النّضيـرُ المُعشِـبُ
لَهَجـاً بِـدُولاب تَرَقّـى نهـره فَلَكا ولكنْ مَـا ارْتَقـاهُ كَوْكَـبُ
نَصَبَتْهُ فَوْقَ النّهْـر أيْـدٍ قَـدّرت ترويحَه الأرْواح سَاعَةَ يُنْصَـبُ
فَكَأنّـه وهـو الطّليـقُ مقـيّـد وكأنه وهـوَ الحبيـسُ مُسيَّـبُ
للمـاءِ فيـهِ تصعُّـدٌ وتـحَـدُّرٌ كالمُزنِ يَسْتَسْقي البحار ويسكُـبُ
يُعْلي ويُخْفِضُ رنَّتَيْهِ كَمـا شـدا غَرِدٌ وتابعَ فـي زئيـرٍ أغْلَـبُ
شَاقَتْهُ ألحـانُ القِيـان وشاقهـا فيبوحُ من كَلَفٍ بهِـنّ ويطْـربُ
أبَداً علـى وِرد ولَيْـسَ بقانِـعٍ من غُلّـة فـي صـدرِهِ تَتَلّهـبُ
كالعاشِقِ الحَرّان يرتَشفُ اللّمـى خَمرا ولا يرويه ريـقٌ أشْنَـبُ
هَامَتْ بهِ الأحْداق لمّـا نادَمـت منهُ الحَدائقُ ساقِيـا لا يشـربُ
هَلْ تُرْجعُ الأيّامُ عَصْـرَ شييبـة مازلتُ فيهـا بالحسـانِ أشَبّـبُ
حيثُ النسيم بما يَمُرّ عليـهِ مـن حقّ الرّياضِ مُضمّـخٌ وَمُطَيّـبُ
أيّام يُرْسَل مـن شبابـيَ أدْهَـمٌ أرنٌ ويُشكِلُ من مَشيبيَ أشهَـبُ
أمّا الرُّصافة فهيَ سَمْتي لا الحِمى ولِوى الصريمُ ولا العُذَيبُ وغُرّبُ
ربَّى الهوى منها مكـانٌ طيّـب وَلَد السُّرور به زَمـانٌ مُنْجِـبُ
تاللّهِ ما أنْصَفْـتُ أهْـلَ مَوَدّتـي شرّقت أشرَق بِالبِعـاد وغرّبـوا
وأعيذُهُـم إذْ لَـمْ يُلقِنـا جَانِـبٌ مِنْ أن تَطولَ قَطيعَـةٌ وتجنُّـبُ
فعـلام ضَنُّـوا بالتّحيّـة رغبَـة عنّي كأنّي عَن هواهُـمُ أرغَـبُ
هَذا فُؤادي قَـد تَصَـدّع بعدهُـم من يَرْأبُ القَلبَ الصديع ويشعبُ
ولَقد تَغُرُّنـيَ المُنـى فأطِيعُهـا سَفَهاً وبَارقَـةُ الأمانـي خُلّـبُ
وأخفُّ ما حُمّلتُ من عِبْءِ الهوى أنْ أسْتريحَ إلى مَطامـع تُتْعـبُ
يا منْزلاً كـانَ الحِفـاظُ يُجِلُّـهُ والجودُ بالضِّيفَانِ فيـهِ يُرَحّـبُ
أَهوى حلولَك ثُم يسلبُني الهـوى أنّ العَـدُوّ بِجانبَيْـك مطـنِّـبُ
أصْبَحْتُ فيـك مُعَـذَّلاً ومُعذَّبـا وكذا المُحِـبُّ مُعَـذَّلٌ ومعـذَّبُ