بالأمسِ ضَيّعكَ الطريقُ إلى السؤالِ
مُتخبّطاً بينَ الشّراكِ
محاولاً، عبثاً، عبوراً
في المحالِ إلى المِطَالِ
هلْ كنتَ تطمعُ، يا غريبُ، بلعبةٍ أخرى وفاتحةٍ سعيدهْ
أمْ أنّه شَغَبٌ قديمٌ
راغَ في صورٍ جديدهْ؟
إنّ النهايةَ في البدايةِ،
والبدايةُ ندبةٌ في نقطةٍ
كانت تهيمُ على محيطِ الدائرةْ
غرقاً بصاخبةِ الهواجسِ والليالي القانطاتِ،
وكنتَ تأملُ بالعبور إلى فضاءِ المطلقِ العذبِ المنالِ،
فكيفَ تَعْلَقُ، يا غريبُ، بلعبةِ الشكِّ المبرّحِ
في براءاتِ السؤالِ؟!
مَنْ يطرقُ الأبوابَ غَيركَ يا غريبُ،
ومَنْ يَعودكَ يا غريبُ،
ومَنْ يُطيّبُ خاطرَ الولدِ المروَّعِ
في احتضاراتِ البنفسجِ وانهياراتِ المثالِ؟
لا ظلَّ غيرك يسكنُ (الشَّباكَ)،
منتظراً عبورَكَ بابَ روحكَ يا غريبُ
خذلتكَ ألوانُ العيونِ
وكم نَدَهْتَ، ولا مجيب
قلتَ: الحضورُ هو الغيابُ
فهل ستحضرُ أم تغيبُ؟
سيّانَ إنْ طالتْ خطاكَ
أو استباحتكَ النوادبُ
واستبدَّ بكَ النحيبُ
سيانَ إن ضاقتْ قيودُكَ،
حين تدركُ نعمةَ الإطلاقِ في قلقِ السؤالِ.*
غافلْ نشيدكَ يا نشيدي
وانسربْ ظلاًّ على رملِ الظلالِ
إنّ المعرَّفَ لا يعرَّفُ
والمنكَّرَ موغلٌ في برزخٍ
إنْ لم يخصّصْ في الخيالِ
فإلامَ تلحفُ يا غريبُ
وفيمَ يقتلكَ الوجيبُ
وكم ستعرجُ في مجاهيلِ اللهبْ؟!
أطلقْ خطاكَ إلى مواشيرِ البنفسجِ ناجياً
فغدا سيدرككَ العطبْ
لن تدركَ المعنى المعمَّى
إنْ وثبتَ ولم تثبْ
بل كيف ترسو يا غريبُ
وأنتَ تبحرُ حولَ دائرةِ الذهبْ
بل هل سترسو
إنْ قضيتَ العمرَ جوّالاً على موجِ الرمالِ؟!*
ـ إن الإجابةَ في الخيالِ.
ـ بل الإجابةُ في السؤالِ.
هذا المُعَبِّرُ قارئٌ أعمى
فهل يُغْوَى المحالُ
مازلتُ تلحفُ في السؤالِ،
مراوداً فيضَ الجمالِ،
وأنت تقتادُ المعبِّر بين أوهامِ الظلالِ.
ـ إنّ الحكايةَ، في البدايةِ،
مذْ طرقتَ البابَ تسألُ عنكَ في الرّؤيا
وأنكركَ الغريبُ.
ـ أصلُ الرّوايةِ أَنْ مبتدأً أضاعَ المبتدا
فهويتُ في عمياءَ قاحلةٍ يدافعني الصّدا
أصلٌ بلا خبرٍ،
فلا راوٍ يخبّر عن نهاياتي،
ولا طيري اهتدى،
أطفو على قلقِ الحقيقةِ وانقلاباتِ المجازِ
هل نارُ سلمى في عيوني أم عيوني في الحجازِ
أم هدهدي نقلَ الرمالَ إلى المياهِ مخادعاً
وارتاحَ من عَنتِ السؤالِ
أم إنه خلطَ الحقيقةَ في مواشير الخيالِ؟*
إن الحقيقةَ هجرةُ المعنى إلى جمرِ الوصالِ
أم كنتَ تعدو ثم تعدو
بين إيقاع التّكايا واشتعالاتِ الجدودِ؟
أرسلتَ خَيلكَ خارجَ المضمارِ مُستبقاً
وأرداكَ الشّرودُ
عادتْ إليك ظوالعاً تَدْمَى
وأغواها النشيدُ
متفاعلن، متفاعلن، خَبَبٌ، كَبَوْتَ، كَبَتْ
فواراها العبيدُ
هل كان غيرُكَ، يا غريبُ، يدقُّ بابكَ
في الحقيقةِ والخيالِ؟!*
هذا التأمّلُ بدعةٌ أخرى وفاتحةُ الجنونِ
أو لعبةُ الزمنِ المزعزعِ بالتحوّلِ والتبدّلِ
وانكساراتِ اليقينِ
يلهو بها الشيطانُ:
لو قايضتني بدمِ الطريدةِ بعضَ روحِكَ
لو تقبّلُها، تدغدغُها، فتعلقَ في الحبالاتِ القلوبُ
لو يرتمي بعضٌ على بعضٍ، فيزهرَ في العشيّاتِ الوجيبُ
ولو استفاقَ من المواجدِ عاشقٌ غِرٌّ لَعوبُ
لو تنجلي المرآةُ ألواناً من العسلِ الحرامِ
لو يُفْصِحُ الولدُ الموارى خلفَ ألعابَ النبيذِ
لَهِجاً بجارحةِ الذنوبِ،
وقالَ في خبثٍ: أتوبُ.*
ماذا تُواري من تفاصيلِ الحكايةِ خلفَ أضلاعِ الحروفِ؟
إنّ الحكايةَ، يا صديقي غيرُ كاملةِ الحوادثِ،
لا تشي عمّا يصيرُ
بعضُ الإثارة لا يضيرُ،
وإن تبدّدتِ الحقيقيةُ في مواشيرِ الخيالِ
فالسردُ تغويهِ الغرائبُ والرغائبُ،
والرواةُ الحالمونَ،
وأنجمٌ كادتْ تُطالُ
فدعِ الرواةَ (يُفلفلونَ، يُعصفرونَ) (1)،
بما يليقُ بدهشةِ المعنى وأحلامِ المجازِ
كي يستقيمَ السّردُ
كيما يُتْرَكَ البطلُ الجسورُ مُعَلَّقاً
بين البنفسجِ والحجازِ
فالمتنُ حَمّالٌ
وبعضُ الضّدِ يأكلُ ضدّهُ
فتغيم أنساقُ الروايةِ في انقلاباتِ المجازِ
بحرٌ يدافع أبحراً
رَمَلٌ يضيقُ بمائه
هَزَجٌ يعربدُ خَلفَ خابيةِ النبيذِ مُجاهراً
تفعيلةٌ نفرتْ من النسقِ القديمِ، إلى الحداثةِ،
تنسخُ المأثورَ من مَتْنِ الخليلِ
مصفوفةُ، مجنونةٌ، خرقَتْ نواميسَ البيانِ
فماتَ ذعراً سيبويهِ،
هل القوافي مُغلقاتٌ، محكماتٌ
في نواميسِ الملاحمِ وابتهالات الحُداء؟!
إنَ البحورَ كَما النفوسُ،
تجيشُ في صخبِ القصائدِ غيرَ آمنةٍ بحالِ
وكذا القوافي قُلَّبٌ
في برزخِ التأويلِ تلهو في الألوهةِ والضلالِ
أيُّ المتون سيعبر القلق المعمّى نحو أنوارِ الحجازِ؟
قلْ: إنّه التأويلُ، يُفصحُ عن وجوهٍ لا ئباتٍ
يخفى ويُسفرُ، ثم يَعشى حائراً
بين انقساماتِ الحقيقةِ وانقلاباتِ المجازِ
فدع الحكايةَ للرواةِ
وعُدْ إلى أرقِ الظِّلالِ.*
إنّ الجنونَ، جنونَ بعضكَ، مُرْبِكٌ في كل حالِ
أَهُوَ التألّهُ، رحلةُ الروحِ القديمةُ،
طائرُ الفينيقِ، عطرُ الليلِ، أعيادُ الوصالِ؟
مَن دَقَّ بابكَ غيرُ بعضكَ يا غريبُ
مَن أَوْغَرَ المعنى عليكَ
فتاه في الصدِّ الحبيبُ
مَن أقلقَ المزلاجَ خلفَ البابِ
فارتعدَ الصريرُ
مِنْ هَجْعَةِ الصدأ المرابطِ منذُ آبادِ الليالي
هل كان غيرُكَ يا غريبُ
يدقُّ بابكَ
في الحقيقةِ والخيالِ؟
فاصبرْ على عَنَتِ السؤالِ.