[إلى قريتي التي رضعتُ فيها صفاء البداوة ونقاوة المشاعر ...] |
* |
ذكرتك يا نسمات التلال |
مواويلَ تهدي الفؤاد |
وتزرع في الأفق عشب الأماني |
ذكرتك مملكة من لطيف المعاني |
فأدمنت فيك انطلاقي |
وأدمنت حبّ الأعالي... |
ذكرتك حين استبدّ الزحام |
وضاقت خطاي.. |
وخيّم في مقلتيّ الغمامُ ... |
................................. |
مدائننا صخبٌ مستمرّ |
وجدرانها لا تبيحُ انعتاق الجوانح |
لا يستطيع الفؤاد اقتناص الفضاء |
ودفء النجوم ... |
فيسلِم أشواقه للظلال.. |
أيا زمنا همت فيه بعمري |
وتوقي إلى سدرة الاكتمال |
*** |
لماذا يسيل المدى من يديّ |
وأغرق في عثرات الرّحيل |
ولا حول لي للنزال ؟ |
**** |
صحبتُ اخضرار الرّبى |
فائحا بالحياة الطليقة |
والهمسات اللطيفة |
في منتهى الاعتدال.. |
وجُبت الثنايا .. |
تُذيب مسافاتِها في الحقول |
حقولٌ تَماوَج بحرا من الأمنيات |
تُمشّطه النسماتُ |
وَيسبَح فيه الخيال .. |
وقُبّرةٌ تزدهي |
وهي تعلو .. وتشدو.. |
تُراقب أفراخَها في حنانِ |
تُموّه كي لاتدلّ على عشّها |
برقص بديع |
وكرّ وفرّ.. |
ويغلبها الشوقُ نحو الفراخ |
فتهوي إليهم سلاما وعطفا وودّا.. |
**** |
صحبتُ أبى وهو يحتضن السنبلات |
ويهفو إلى البيدر المطمئنِّ .. |
ويزرع حلم الجياد.. |
وكانت لأمّى زغاريدها في النوادي |
وحين تميل بمغزلها |
"للقشاشيب" والبرنس الأبيض المرمريّ ............................................ |
وكنتُ المدلّلَ ، تدعو ليَ الله كي يجتبيني |
علياّ.. سميّا.. |
وأذكر حين اعتراني الهوى |
وأيقظ فيّ الأغاني |
وحُبَّ التفرّد والانعزال .. |
أنا كنت أرعى الخراف الوديعة |
وأختار مرعى الأقاصي |
لأخلوَ بالبوح والحمحمات.. |
"أبوح لها ... لا أبوح.." |
" أقول أحبك ..لا ..لا أقول" |
فعُرف القبيلة أكبر |
من نزوات الشباب |
وتلك القرى لا ترى في المحبة |
غير الجموح ومحض الحرام .. |
لذلك كنا نذوب.. |
ولا نستطيع الكلام .. |
وكنا بثوب التعفف |
نستعذب العشق تحت سياط العذاب |
ولفح الغرام .. |
لذلك نرتبك الآن صُلب المدينة |
حين نمدّ الخطى واليدا |
وحين نحبّ وحين نريد ونهفو .. |
وما زال للعشق رهبتُه |
وما زال للخوف جيش |
يسيّجنا بالظلام . |
**** |
ألوذ بذاك الزمانِ الجميلِ |
وأركب ذاكرة من جناح شفيف |
أطوف بها ما مضى من عهود |
أداوي اغتراب الغناء بصدري |
وأشكو لها رغبة سافرت في المحال |
فيا ذلك العهدُ كيف انثنيتَ |
وغادرتَ عمرا |
يبعثره الليلُ والصمتُ والغمغمات |
ويعصف فيه الزمان الثقيلُ |
ويصخبُ فيه السؤال ؟ |