ما أغمدَ العضبُ حتى جُرّد الذكـرُ ولا اختفى قَمَـرٌ حتـى بـدا قَمَـرُ
قد مات يحيى فماتَ النـاسُ كلهـمُ حتـى إذا علـيٌّ جاءهـم نُشـروا
إنْ يُبْعَثُـوا بسُـرورٍ مِـنْ تملُّكـه فمنْ منية ِ يحيـى بالأسـى قُبـروا
أوْفَى عليٌّ فَسِـنّ الملـكِ ضاحكـة ٌ وعينُهُ مـن أبيـه دمْعُهـا هَمِـر
يا يَوْمَ وَلّى عن الدّنيا بـه طُمِسَـتْ بظلمة ِ الرزءِ من أنوارِكَ الغُـرَر
ومادَتِ الأرضُ من فقدانهـا جبـلاً ينابعُ الجودِ مـن سفحَيـه تنفجـر
لم تُغْنِ عنه غياضٌ من قناً وظُبـاً حمرُ الحماليق فيها أسدها الهصُـرُ
يـرونَ زُرْقَ ذئـابٍ مـا ثعالُبهـا إلاَّ عوامـلُ فـي أيمانهـا سُمُـر
ويتركونَ إذا جَيشا الوغَى انتظمـا سلخاً كسـاه حديـداً حيّـة ٌ ذكـر
وديعة ُ السيلِ في البطحاء غادرهـا تقري الرماحَ بها الآصالُ والبكـر
لم يُغنيا عنـه: لا عـزٌّ يـدلُ بـهِ مَنْ كانَ بالكبر في عرنينـه أشـرُ
ولا مهابـة محجـوبٍ تبرجُـهـا كأنه عندَ أبصـارِ الـورى خفـر
شُقّتْ جيوبُ المعالي بالأسى وبكَتْ في الخافقين عليهِ الأنجـمُ الزهـرُ
إذ السماءُ بصوتِ الرعدِ صرختهـا يكادُ منهـا فـؤادُ الأرْضِ يَنْفَطِـر
والجـوّ مُتّقِـدُ الأحشـاءِ مُكْتَئِـبٌ كأنَّما البرقُ فيهـا للأسـى سُعُـر
وقل لابـنِ تميـمٍ حُـزنُ مأتمهـا فكلّ حـزنٍ عظيـمٍ فيـه محتقـرُ
قامَ الدليلُ ويحيـى لا حيـاة َ لـهُ إنَّ المنِيَّـة َ لا تُبْقِـي ولا تــذر
أمسى دفيناً ولـم تُدْفَـنْ مَفاخِـرُهُ كالمسكِ يُطوى ، ونشرٌ منه ينتشـرُ
قد كنتُ أحسبُ أن أُعْطَى مُنايَ بـه وأن يطولَ على عمري لـهُ عمـر
وها أنا اليـومَ أرثيـهِ وكنـتُ لـهُ أنقّحُ المـدحَ، والدنيـا لهـا غيـرُ
يا ويحَ طـارقِ ليـلٍ يستقـل بـه سامي التليلِ براه الأيـنُ والضُّمـر
في سرجِهِ من طُيورِ الخيلِ مُبْتَـدِرٌ وما جناحاه إلاّ العنـقُ والخصـر
يَطوي الضميرَ على سرٍّ يُكِـنّ بـه بُشْرَى ونَعْيٍ، حَيَارَى منهما البشـر
لولا حديثُ عليّ قلتُ مـن أسـفٍ بفيك -يا من نعى يحيى لنا- العفر
إنْ هُدّ طـودٌ فـذا طـودٌ يُعادلـه ظـلٌّ تُؤمَّـنُ فـي أفيائِـهِ الجـدر
أو غيضَ بحرٌ فذا بحرٌ بموضعـهِ لوارديـه نميـرٌ مـاؤه خَـصِـرُ
يا واحدا جُمعَتْ فيه الكـرامُ ومَـنْ بسيفـهِ ملّـة ُ التوحيـد تنتـصـر
أوجَفْتَ طِرْفَكَ والإيجـافُ عادتُـهُ والصبحُ محتَجَبٌ واللّيـلُ معتكـر
لمَّا سَريتَ بجيـشٍ كُنْـتَ جُمْلَتَـهُ وما رفيقـاكَ إلاَّ النصـرُ والظفـر
طوى له الله سهبـاً بـتّ قاطِعَـهُ كأنمـا بُعْـدُهُ بالقـربِ يُختصـرُ
وقصّرَ السعدُ ليـلاً فالتقـى عجـلاً منهُ العشاءُ على كفّيـك والسحـر
وفي ضلوعِكَ قلـبٌ حشـوه هِمَـمٌ وبين عينيـكَ عـزمٌ نَوْمُـهُ سَهَـر
حتى كسوتَ حياة ً جسـمَ مملكـة ٍ بـردّ روحٍ إليـه منـكَ ينتظـرُ
هنئتَ بالملكِ إذْ عُزّيتَ فـي ملـكٍ لِمَوْتِهِ كـانَ منـكَ العيـش يذّخـر
جلست في الدست بالتوفيق وابتهجت بكَ المنابـرُ والتيجـانُ والسُّـررُ
أضحتْ عُلاكَ على التمكين ثابتـة ً فطيبُ ذكركَ في الدنيا لـه سَفَـر
تناوَلَ القَـوْسَ باريهـا، فأسْهُمُـهُ نوافدٌ في العدى ، أغراضُها الثُّغَـر
وقامَ بالأمْـرِ سَهْـمٌ منـكَ مُعْتَـزِمٌ يجري من الله في إسعـادِهِ القَـدر
وأصبَحَـتْ هِمَـمُ الآمـالِ سانيـة ً عن العطايا التي عُنوانهـا البـدر
وأنتَ سمـحٌ بطبـعٍ غيـر منتقـل سِيّانَ في المحل منكَ الجُوْدُ والمطر
واسْلَمْ لعزّ بني الإسلامِ ما سَجَعَـتْ سوامرُ الطير وانآدت بهـا السَّمُـرُ