من هُنا مرَّ الغُزاةْ
خَطوهُمْ
في السَّيرِ مَوتورٌ مَن الخَوفِ مُعَربد
وَجهُهُمْ بالخِزيِ مربدٌّ وبالموتِ الذي
يصْفَعُهمْ في كلِّ حينْ
منْ هُنا مَرُّوا وكانوا يحلُمونْ
وعلى كلِّ صَغيرٍ مَزَّقوه
ولَغَوا في دمِهِ الطَّاهرِ
كانَ الحلْمُ ينداحُ انكساراتٍ وَتيهاً وهَزائمْ
من هُنا مَرَّ الغُزاةْ
بينَ أيديهمْ عَصاهُمْ,
تَضربُ البَحرَ فتمْتدُّ المسالِكْ
تَضربُ الأَرضَ فتنهارُ من الهَولِ المَمالِكْ
تَضربُ الأَطفالَ والآمالَ ترْميهمْ قَرابينَ فَطيرٍ لليهودْ
من هُنا مَرّوا وكانوا واهِمينْ
ضَربوا البحرَ فَغطَّاهُ اللّهَبْ
ضَربوا الأَرضَ فَمَادَتْ في غَضَب
ضَربوا الأَطْفالَ فاهْتزَّتْ أهلَّهْ
ونواقيسُ وثارَتْ
منْ كلا البيتينِ فُرسانُ العَرَبْ
منْ هُنا مَرّوا سِراعاً يَبْحَثونْ
عَنْ جِد\\رٍ يَتباكونَ إليهْ
أو عَلَيهْ
عنْ بلادٍ لَمْ يَطأْها بَشَرُ
عنْ مِياهٍ لمْ يذقْها بَشَرُ
عَنْ نساءٍ لم يدنِّسْ نعميَاها بَشَرُ
عنْ شظايا الأَملِ الموْعودِ في السِّفْرِ العَتيقْ
وَطِئوا الأَرضَ حِراباً في الجَنوبْ
شَربوا الماءَ حَميماً في الجَنوبْ
واقَعوا اللذّةَ مَوتاً وضَياعاً في الجَنوبْ
كلُّ جَذعٍ
مُشْرعٍ بالكِبْرِ مَبكى
كلُّ طِفلٍ
أحرَقوا بُستانَ جَدَّيه, ودَكّوا
بيتَهُ المَوْروثَ, واسْتبْسَلَ مَبكى
كلُّ ريحٍ
كلُّ صوتٍ,
كُلُّ وَمْضٍ حمَلَ الميتَة مَبكى
منْ هُنا مرَّ الغُزاةْ
نَفَخوا عَسْكرَهُمْ بالمُعْجِزاتْ
صَوَّروهُمْ
في السَّما طَيراً أبابيلَ ومُزْناً منْ هَلاكْ
رَسموهُمْ
فوقَ رَملِ البيدِ مَدّاً مِنْ مَنايا
وعَلى الماء قِلاعاً مِنْ هَلَعْ
وعلى أرض الجَنوبْ
بدّدَ الوَهْمَ الجنوبْ
فإذا ما قيلَ جَيشُ الُمْعجِزاتْ
كان جَيشاً منْ وَرَقْ
عندما سَلَّ الرِّجالْ
صَرْخَةً غَضْبى احترَقْ
والذي
نَفَخوا جيفَتَهُ مُنذُ سِنينْ
لمْ تخفَّفْ
عُدَدُ القَتلِ التي يحَمِلُها عَنْهُ الهَزيمَةْ
لم يَعُدْ إلا بَقايا من بَقايا
خَدُّهُ كانَ لَصيقاً بحِذَائِهْ
وعلى البُعْدِ ضُلوعُهْ
كَفِراشٍ
بثَّها القَلبُ مِنْ الرُّعبِ فَغَصَّتْ في دِمائِهْ
منْ هُنا مَرَّ الغُزَاةْ
ساءَهُمْ لُبنانُ هذَا الشَّامِخُ
ساءَهُمْ أنَّ الدُّنا تَأتي تُصَلّي في يَديهْ
ساءَهُمْ أنْ يجتَبيهِ الله كي يَسمو ويَرَقى
وهو الغَضُّ اللطيفُ الوادِعُ
أنْفقوا عِشرينَ عاماً يَقْتلونْ
أنْفقوا عِشرينَ عاماً يَسْرِقونْ
يَحرِقونْ
يَبحثونْ
في ثَنايا الغَيبِ عنْ بِئرٍ يَطمّونَ بِها هذا الإِهابْ
ثمَّ يَرمونَ على الذِّئبِ أذاهُمْ
إِنّما ذاكَ الإهابْ
كان ألواناً منَ السّحرِ ودُنْيا منْ فُتونْ
كانَ قدموسَ وعيسى والنّبي
كانَ عِزَّ العَرَبِ
كانَ فِردوسَ الشَّهيدْ
كانَ لُبنانَ العَنيدْ
منَّ هُنا مَرّوا, وعاثوا, وانتهوا
في بِلادٍ
يَشْرَبُ الوَرْدُ دِماءَ الشُّهَداءْ
في بِلادِ الكبرياءْ
كُلِّما مَرَ الغُزاةْ
أيقَظَ الوَردُ مع الحُبِّ الحياةْ |