منْ ركامِ المجزرَةْ
لملمَتْ أمٌّ بقايا طفلِها
قبَّلَتها مئةً,
ثمَّ ضمَّتها لصدرٍ لم يوفِّ رضْعَةَ الشهرِ الأخيْر
ورنتْ نحو السماءْ
تسألُ الله العليْ
: باركِ الأشلاءَ هذهْ
خلِّها يا ربُّ تغدو جارحاً أو قُبَّرَةْ
كيفما تأتِ الرياحْ
تلتقِ جنينَ رغمَ المجزرةْ
ـ منْ عِظامٍ نخرَةْ ـ
تستوي فوقَ حصانٍ من ضياءْ
قادرةْ,
مقتدِرَةْ
ولتكنْ هذي الدِّيارْ
للغزاةِ الغرباءْ
يا إلهي مقبَرةْ..
يا إلهي مقبرةْ
2
بسمةُ الأَطفالِ أقوى
منْ رصاصِ القتلَةْ
طِفلةٌ توقِظُ في الصُّبحِ أباها وأَبوها لم ينمْ
كانَ في عينيهِ نَزْفُ
كانَ في جَبهَتهُ السَّمراءِ نَزفُ
كانَ في كفَّيهِ رَجْفٌ منْ حديدِ القُنبلَةْ
كانَ يدري
ما الذي يبغيهِ أعداءُ المخيمْ
كانَ يرنو لبيوتِ الأهلِ والصَّحْبِ ويبكي
وأَمامَهْ
وَقَفتْ طِفلتُهُ الصَّغرى تناديِه وتبسُمْ
ملأَتْه البَسْمَة النَّشوى اخْضِراراً
أغْمضَ الجفنَ ولكنْ!
حاذري..النارُ.. بنيةْ
سَقطتْ طِفلتُهُ بين يديهْ
قلبُها كانَ دفيئاً مثلما قلبُ البتولْ
وَدِماها حينَ سالتْ
ما هَززنا من نخيلْ
وعلى الثغرِ النَّديِّ
لم يزلْ سِحرٌ شَفيفٌ ومخيفْ
ولولَ الغازونَ حين انفجرَتْ تحتَ شباكٍ عَصيٍّ قنبلَةْ
قالتِ الطِّفلةُ في صَوتٍ خَفيٍّ أرأيتْ؟
هاهُنا نحنُ وما يقدِرُ سَفَّاحٌ جبانْ
أن يواري وردةً أو سنبلَةْ
وابتساماتُ الصِّغارْ
دائماً أبقى وأقوى
مِنْ رَصاصِ القتلَةْ
3
في خريفِ العُمْرِ كانتْ
والذي يعرِفُ حَقَّاً لا يرى أكبرَ من فصلِ الخريفْ
شجرٌ يعطي ونهرٌ مُستبدٌّ
ورياحٌ تكنسُ المصفرَّ من جُوفِ الرجالْ
وشموسٌ تلْسَعُ السوءات أمضى من سيوفْ
في خريفِ العمرِ كانتْ
صوتها أَرهبُ من ريحِ الشَّمالْ
كفُّها المعروقُ أقوى منْ زنازينِ العدى
والمدىْ
حُلمُها يا روْعَةَ الحلمِ الذي شَقَّتْ أغانيهِ المحالْ
ناولتهُ المصحفَ الـ. كانَ لدَيها
أنتَ ابنُ الأرضِ أقسمْ:
أنْ توفّي النذرَ يا أغلى البنينْ
لن أنام اليومَ حتّى أسمعَ الصوتَ الحبيبْ
فأرى الليلَ موشى بقرابين الفداءْ
نجمة ترفِدُ نجمةْ
والمغاليقُ هباءْ..
قبَّلَ الابنُ يديها ومَضَى
روحُهُ بين يديهْ
نارُهُ في رئتيهْ
ساحُهُ كلُّ الفَضا
ومَعَ الرَّجْعِ الأخيرْ
منْ لهاثِ القنبلةْ
زغرَدَتْ أمُّ الشَّهيدْ:
قدْ قهَرنا القتلَةْ