سماءٌ على ماءِ غزّةَ: حمراءُ والماءُ أحمرْ
فيا أمَّ أيمنَ صُرّي له ما تيسَّرَ من حجرٍ ولفافةِ زعترْ
كما تُطلق الطّيرُ أفراخَها أطلقيهِ إلى الأرضِ... فالأرضُ عنبرْ
إلى الماءِ... فالماءُ كوثرْ
إلى لؤلؤٍ في محارْ
إلى حجرٍ دقَّ بابَ النّهارْ
ولا تستحمّي بملحِ البُكا... هيّئيهِ لفُلٍّ يغطّي البراري
لأجلِ شظيّةِ نعناعِهِ كبريّه
ليبقى على حُلْمهِ سيّدَ الحُلْمِ: أبهى وأكبرْ
على أرضِهِ سيّدَ الأرضِ: أبيضَ أخضرْ
ويا أُمَّ أحمدَ: أحمدُ ما كانَ طفلاً... لقد كانَ هذا البهاءَ المكوّرْ
وأطفالُنا بعدً ما اكتشفوا للطفولةِ سرّاً
أهِلَّتُنا ورجالاتُ هذا الزّمانِ هُمُ...
رُوحُهم للحجارةِ منذورةٌ... للنّهارِ الذي سوفَ يولدْ
بِنا مثلَ فيلٍ عظيمٍ سيخرجُ من خُرِم إبرتِهِ ويهدُّ العروشَ ويبني النّعوشْ
عروشاً فرنجيّةً زوّجتْ للفرنجةِ غرناطةً... يسقطُ الساقطونَ... ونولدْ
ونخرجُ للحُلمِ... للشمسِ... للريحِ... من ظلمةِ الانبطاحِ المؤبّدْ
فيا أُمّهات محمّدَ: صاروا نجومَ الصّباح... هَدَوْنا إلى شُرُفاتِ
الندى... كم ضللنا... وكان الحنينُ بنا للشواطئِ يجأرْ
هَدَوْنا إلى نبضِ أصواتِنا.. لونِ أسمائِنا
فاعترفنا لهم:
إنَّ خيرَ الأساميّ ما كانَ حُمِّدَ أو كانَ عُبِّدْ
وكلَّ النِّسا آمناتٌ... وكلَّ الكبارِ محمّدْ
محمّدُ ما كان طفلاً. لقد غازلتْ نجمةٌ دمَهُ... خطفت مِنْهُ مرمرَهُ
عذّبتْ حُلْمَهُ وهْوَ يركضُ خلفَ مرايا يديها
غفا في عقيق جدائِلها فاستدارتْ وضمّتْهُ
فالجرحُ يصغرْ
وباستْهُ... فالوردُ يكبرُ.. يكبرْ
أفاقَ على موجِ أهدابها
فرمى بقميصِ المهانةِ للزمنِ المنحني
غاصَ في بقعةِ الحبرِ... اللهُ أكبرْ
[صدقَ اللهُ وعْدَهْ
وأعزّ بني الوردِ وحْدَهْ]
* سماءٌ على قُبّةِ القدسِ: سوداءُ... والغيمُ أسودْ
تزاحمهُ حُجُبٌ من خفافيشَ سُودْ
تأخّرَ ركبُ النّبيّينَ... إسراؤُهُمْ بصهيلٍ من الدّمعِ هذي السنهْ
مواكبُهم منذُ خمسينَ عاماً كهذي السنهْ
وكلَّ سنهْ
تطوفُ الدّموعُ على قمرِ المئذنهْ
ـ فيا قُدْسُ قولي: لمن تنصبينَ فِخاخَ الدّموعْ؟
وكفُّكِ تحرقُ خمسينَ عاماً
وتشعلُ خمسَ شموعْ
لوجهِ الحضورْ
ويا قدسُ قولي: بمنْ كلُّ هذا الحبورْ؟
ـ حُبورٌ بأضواءِ ليلي... بأصواتِ صمتي... بأطفالِ مجديَ
ـ أطفالُكِ الآن قد كبروا
عانقوكِ على صخرة الملتقى.. مذبحِ الياسمينِ
انهضي الآنَ من جرحِنا... عانقيهم
ورُدّي التّحايا بأحسنَ منها
يموتونَ بينَ يديكِ... لكم عذّبوكِ وأحببتِهمْ
وأحبُّوا بهاكِ وعذّبتهم
خبّئي لهمُ الآنَ عطرَ السلامِ... صلاةَ النّبيّينَ
رُدّي إلى خطوةٍ أسَها.
ـ كم أحنُّ إلى ضمّهم.. فأضُمّ بهم كلَّ أرضِ فلسطينَ... أشجارَها... ماسَها
ـ دَمُهُم نُقَطٌ في مصاحفنا... قِبْلةٌ للصلاةْ
حجارتهُم شًعلةُ الرّفضِ... مقلاعُهم قُبلةٌ للحياةْ
بأيِّ اتّجاهٍ قذفتم حجارَ مقاليعِكم ستصيبونَ وجهَ عدوٍّ
عدوٌّ لدودٌ وثانٍ ودودْ
عدوٌّ جليٌّ وثانٍ خفيّْ
بأيّ اتجاهٍ قذفتُمْ حجارتَكم ستصيبونَ وجهَ غرابْ
[بِذا المقلاعِ تنكتبُ السّطورُ
على أشكالِها تقعُ الطيورُ
ونجبرُ الكسورُ وكم ظَنَنا ـ
الدّوائرَ لا تحورُ ولا تدورُ]
* سماءٌ على ضفّة النُّور: خضراءُ والماءُ أخضرْ
فيا حجري كن نبيذاً لأسكرْ
وأعلِ الصّراخَ أبا عابدٍ: لا نريدُ نقوداً
ولسنا نريدُ أرزّاً وسُكّرْ
نريدُ بنادقُكم معنا عندما يقتلونَ حريرَ المُهَجْ
جُننّا وليسَ على مَنْ يُجَنُّ حَرَجْ
جُننّا وليسَ لكم أيُّ شأنٍ بنا
من جدارٍ وُلدنا... ومن حجرٍ رضعتْ رُوحُنا... فَنَبتْنا حَجَرْ
وسُحْنا على أرضِنا مطراً
ليسَ يستأذنُ الأرضَ ماءٌ هوى
فاقبعوا في القصورِ ـ القبورِ... ستعصمكم من مَطَرْ
ولا عاصمٌ لكمُ اليومَ... لا عصمةٌ للذينَ استباحوا القَمَرْ
وأعلِ النشيدَ أبا حامدٍ وأرحْنا به:
ربَّنا آتِنا حجراً من غمامٍ لنبني بهِ الأرضَ بيتاً تُمجَّدُ فيهِ
سماءُ عبيرٍ تحلّق فيها الطيورُ البعيدةُ تبحثُ عنْ عشِّها في الغمامِ...
وحارسُها النّبويُّ لـهُ تربةُ الرّوحِ خضراءُ يصهلُ فيها الجميلْ
لهُ في مداها بهاءُ الطيورِ... حضورٌ النّسورِ
زهتْ أرضُنا... وزها شعبُنا في السّماءْ
قبورُ الطغاةِ... بريقُ الحياةِ... غَدتْ غزّةٌ غَزّةَ النّصل في صدرِ كلِّ
الأعادي
غَدَتْ بسمةَ القادمينَ إلى مهرجانِ الرّصاصِ ـ الخلاصِ
بياضِ البلادِ
* سماءٌ ومَاءٌ:
أنا في فضائكِ عيسى أعانقُ هذا الصليبَ
أنا في فضائكِ أقصى ابتعاداً عن البعدِ... أدنى اقتراباً من القربِ
قُربي لكفّيكِ أوقدُ شمعَهما وأصلّي ليهربَ منّي الزّمانُ وأهربَ فيهِ
سماءٌ وماءٌ
سنرجعُ يوماً إلى قدسنا
ونرفعُ فيها رُؤى شمسنا
سنرجعُ نَدْحو السُّطوحَ ونملأُ زيتَ الجرارِ... ونَنصبُ حَبْلَ الغسيلِ على السُّورِ
ندهنُ بالكلسِ جُدرانَنا... ونسدُّ الشقوقَ ونمسحُ ظلَّ الغبارِ... نُزيلُ
خيوطَ العناكبِ... بوركتَ يا وطناً للفقيرْ
[طفلٌ يبولُ على الخرائطِ
آَخَرٌ يلجُ العراكَ مع الظلالِ
هناكَ يزرع حُلْمَه عنباً
وها طفلٌ يمشّط حافياً حُفَرَ الشّوارعِ
باحثاً عن يومِهِ الفرحانِ في دفءِ القرى... أو في زقاقِ مدينةٍ
بوركتَ يا وطنَ الفقيرْ
والشِّعْر يستاف الترابْ
الشعرُ يكبرُ في العذابْ
ويغوصُ في بحرِ المجاهيلِ الصغيرةِ والكبيرهْ
الشعرُ يأكلُ كسرةَ الخبزِ الأخيرهْ
الشعرُ يرفعُ عالياً صوَر المحبّةِ أوسمهْ]
*سماءٌ على ماءِ غزّهْ
على قُبّةِ القُدسِ... في ضفّةِ النُّور... بيضاءُ والماءُ أبيضُ والغيمُ أبيضُ
نكبرُ نصراً وعزّهْ
ويسقطُ مَنْ سقطوا
تتلألأُ في الرّوحِ... في الأرضِ... في الماءِ: اللهُ أكبرْ
[صدقَ اللهُ وعْدَهُ
وأعزَّ بني الياسمينةِ وحْدَه]. | 
