ما جئتُ أرثي...
جئتُ أهدي زنبقهْ
ما جئتُ أبكي..
جئتُ أسقي روضة الأطفال من قلبي
وأطلق طائر الأحلام من قفص المواجعِ..
آن لي أن أطلقهْ..
يا طائري..
كن للمرايا لا تنمْ
حلّق على الأفق القتيلْ
واشهد قتيلاً في الخليلِ..
إشهد قتيلاً في الجليلْ..
اِشهد قتيلاً خلفه مليون قاتلْ
يا طائري كم عَذّبونكْ
يا طائري كم غرّبوكْ
ضاعت دمِاكَ..
وضعت ما بين القبائلْ
مضت الصبايا في زغاريد الشهادة والرجالُ
بقوا أراملْ
حلقوا شواربهم وناموا كالجمال على المداخلْ
يا قارع الأجراس في يوم الخميسْ
يا قارئ القرآن سمّوك العريسْ
كن للمرايا لا تنمْ
***
لا صوتَ يعلو غير أصوات المجاعهْ
والعنكبوتْ
في كل سقفٍ عنكبوتْ
كسرت نوارجنا وأحرقتِ السنابلْ
هذا أنا
جسر الضنّى
واللقمةُ السوداءُ بتُّ أشيلها من بطن حُوتْ
هذا أنا شعب السكوتْ
ألقِ السلامَ على ظلام الأمكنهْ
ألقِ السلام على جحيم الأزمنهْ
مولاي يا نخل العراقْ
رَمّمْ جراحك لا تمتْ
هذا غرابٌ لا يطاقْ
أسبلْ جفونك إنني سأقيم قدّاسَ العناقْ
مولايَ شيخَ الوالهين العاشقينْ
كن للمآذنِ..
لا تنم
هذي بيوت الخانعين الخائفينْ
هذي دروب لا تقودُ إلى الحنينِ
ولا تعيد إلى الحنينْ
مولاي يا تين الشآمْ
كن للبراءة لا تنمْ
فالأرضُ غشّاها الظلامْ
مولايَ يا شجرَ اللبان بحضرموتْ
هذي مروجُ أسىً وموتْ
آهٍ لتعذرني السّما ـ عُمِّرْتُ بَعْدَكْ
يا ليتَ بعدي يا حبيبُ كتبتَ عهدَكْ
عُدْ بالنجوم وبالخيولْ
لو في منامْ
عُدْ لي بكيس قنابلٍ
وحليبِ عصفورٍ
لأنثى بات يفجؤها الوحامْ
إني كسرت ربابتي
ما عاد يلزمني الغناءْ
ما عدتُ أكتب يا أبي:
(أنا في فضائكِ تونسٌ خضرا
وبين عراقِ شَعْركِ لي جزائرْ
في شامِ نهديكِ اتّحدْتُ
بمصرِ أفراحي ونيل براءتي
في دجلة الكفين صرتِ فراتيَ الأبهى
وحيّاني خليجٌ في الأساورْ)
بل صرتُ أكتب يا أبي:
(رفقاً به يا حادِ
|
|
أرادهُ طيرٌ شادِ
|
رفقاً به وبدمعه
|
|
هذا القتيل بلادي)
|
بالله يا شيخي تعالْ
كن للبنفسج.. لا تنم
أدري بأنك صرتَ آلاً في رمالْ
وفيّتَ عمرَكَ في مكابدة الغلال ولا غلالْ
أسريتَ في مسرى الحلالِ..
عبرتَ في بحر الزحامْ
ومضيتَ ما استجديتَ أولادَ الحرامْ
عُدْيا أبي فـ (يمانُ) تسأل عن يديكْ
كم كنتما وجهين للعيد السعيدْ
كم كنتما فرحين يا قمري البعيدْ
ويمانُ تكتب للطيور رسالةً
وهناك أطفال البنفسج في أراجيح الهوى يتضاحكونْ
صارت يمانُ وحيدةً من دون حضنك مثل عصفورٍ حزينْ
يا لوعة المحراب بل يا حسرة المرمرْ
يا دمعة العنبرْ
عُدْ واعتمر قلبي وأحزاني الغريقهْ
تباً لإيقاعٍ سريعٍ أُحرقتْ فيه الحقيقهْ
أقبلْ.. فضاؤكَ من خزامْ
واهطلْ نهاريَّ القوامْ
من ذا سواكَ يداهُ خضراوان من ماء الدعاءْ؟
من ذا سواكَ إذا دعا قالت له آمينَ أشجارُ السماءْ؟
*****
عاد المغولُ هيَا أبَا.. عادَ المغولْ
وتبادلوا الأدوار بالقتل المرخّصِ في دمي
ما عاد من جدوى لفتوى يا أبا
هات اسقنيها خمرةً ممزوجة بالزنجبيلْ
أو بالصهيلْ
أو بالعويلْ
فلعلني أنسى خيولهمُ على خدّ الفراتِ ورمشِ نيلْ
أوّاهِ.. ضيّعتُ الدليلْ
وأنا أرى سيلَ التترْ
ذبحوا الرؤى.. عقروا القمرْ
مَدّوا أيادي أخطبوطٍ في دمائي
عمّموا الأسماءَ في كل السجونْ
من عتبة البحر المحيط إلى شبابيك الخليجْ
يا ربَّ أسرتنا تدبّرْ حالّنا
يا ربّ عائلة البياضِ..
أبا البهيجِ..
أبا الأريجْ
إني كسرتُ ربابتي
ما عاد يلزمني الغناءْ
وغداً سأكسر رايتي
وأبيع قلبي للعماءْ
(يا من وجدْ.. يا من وجدْ
طفلاً ببنطال الزبدْ
عيناه خضراوانِ..
غادر أمه فجرَ الأحدْ
ضاعَ الصّدى.. ضاع الأبدْ)
ألقِ الرثاءَ على رمادِ الأمكنهْ
ألقِ الهجاء على ظلام الأزمنهْ
هذي شموسٌ فاجرهْ
هذي غيوم عاهرهْ
راحت تبيع الأحصنهْ
يا فائق الأحزان ها قد مرّ عامْ
كن للمواجع لا تنم
أرثيك أم أرثي لنفسي أمْ لأرضي وهي تدخل في الظلامْ
مرّتْ سنهْ
نكصتْ شعوبٌ مؤمنهْ
وانْهارَ غصنُ المئذنهْ
مرّتْ مياهٌ جَمّةٌ في النيل مُذْ عنّا نأيتْ
عبرت خيول الغزو فوق عيوننا وانهدْ بيتْ
كثرتْ شماتتهم بنا..
زعموا هوى البرج الأخيرْ
من سور قلعتنا المنيعة.. كاذبونْ
إني أراك تعيدُ تأليف الجذورْ
وأرى يديك تباركان دمَ البذورْ
ستزفنّا للموعد الآتي إذاً
ستعيد قرآن النشورِ
تدقّ أجراسَ الحضورْ
فأعود أسمع صوت قبقابِ الوضوءْ
في ليلةِ القدر الجليلْ
وأراكَ تصعدُ في أذان الفجرِ
تهطلُ في الصلاهْ
وأراك تبتكر الحياهْ
كن للمحبةِ لا تنم
وسأسمع الصوت الجميلْ
ينداحُ في قممِ الضبابِ..
على منازهِ رُوحنا تلتفُ حول الخاصرهْ
وتضمّنا: (من قدسنا حتى الخليلْ
حتى غروبِ الشمس في البيضاءِ
حتى شامةِ الدنيا وينبوعِ الأصيلْ)
في دائرهْ
ويفيضُ نيلٌ بعد نيلٍ بعد نيلْ
في القاهرهْ
هذي شموسٌ باهرهْ
هذي بلادٌ قادرهْ
*****
ببراءةِ الفجر الجديدْ
رسمت يمانُ خريطةً للقدسِ
قالت: بيتُ جدّي
ثم نامتْ في النشيدْ