وتمرُّ أيامي على عجلٍ
كأنَّ الكونَ ينسجُ دورةَ الأفلاكِ
من عمري
كأن الوقتَ يُطلقُ صيحة َ الموتِ السريعِ
ويرتدي ثوبَ السوادِ
لفكرة ترمي علينا حزنَها،
فيغلِّقُ الأفقََ الصغيرَ بلونِ عتمته،
وما قد يتركُ البئر العميقُ،
لأحتمي بالذكريات، تجيءُ عاشقةً
تسوقُ غيومَ أفراحي
وتفتحُ في سراديبِ الزوايا
ضوءَها جرحاً
فينكسرُ المدى قمراً
على قفص الظلالْ
حتى إذا زادتْ عيونُ الجرحِ أوجاعاً
أمدُّ يدي إلى ضوءِ المسافةِ
أبصرُ الأشياءَ أعمقَ
في ممرِّ مسارِها نحو السؤالْ
فيصيبني أرقٌ على قوسِ المدى فينا،
على طرقِ الحريرِ
تجمّعُ الرغباتِ في قصبِ الماءِ
تفتَّحُ الآهاتِ أزهاراً،
لتوقظَ غفلةً مرّتْ على صوتِ الغناءِ
فأدركتْ سرَّ المحالْ
حتى رأيتُ الكونَ ينسجُ من دموعِ الحزنِ
أثواباً لذاكرةِ القصيدةِ،
للكمنجةِ حينَ تدرك سرّها وجعاً
ولي حينَ المساءُ يضمُّ أحلامي
وقد صارت بلا لونٍ،
كما خِرقٌ تداورها الرياحُ
وتحتمي بالظلِّ في ذاكَ الزوالْ
وأحسّ خوفاً يرتدي هذا الهواءْ،
ماذا أقولُ لبرزخِ الروحِ المعذّبِِ
في دمي،
ماذا أقول لعتمةٍ تملي شعائرَها دماً،
ماذا أقولُ لصوتِ أسماءِ الحطامِ
تهزُّ أضلاعي، كصفصافِ النوافذِ،
كاليمامةِ في الهديلِ بلا زخارفَ،
كالمحاربِ بعدَ تسليمِ البلادِ
وبعدما قلَّ الرجالْ
كيفَ ارتدى هذا المصيرُ دخانَه
المسودَّ في لغتي،
وكيف تقوّضتْ تلكَ المدائنُ فوقنا
لنكونَ ذاكرةَ الرمالْ.
فأحاورُ الظلماتِ، تابوتَ المساءِ،
أُقدمُ الكأسَ الأخيرةَ للتمني،
علَّ أوهامَ النبيذ تعيدُ آفاقَ الحنينِ
تعودُ ملهمتي لتسكنَ ضلعها يوماً
وأسكنَ فتنةَ القولِ الجميلةِ،
سرَّها فوقَ الضفاف، وفوق
معراجِ الخيالْ.
فأميلُ للأرضِ التي ملأتْ سماواتِ القصيدةِ
بالضياءِ، تقولُ: إنَّ الحلمَ يزهر في الأغاني،
إنني قد عشت رغمَ الموت، أصدرُ آخرَ
الزفراتِ، إني ضفةُ أخرى، تمدُّ
الكفَّ، يسقط ظلُّها حزناً
على ليلٍ طويلٍ قد تسوّرَ بالنصالْ
وأروحُ نحو عيونهم خوفاً،
أشيرُ بإصبعي نحو المدارِ،
وكيف لي أن أعبرَ الساحاتِ
حتى أسمعَ النزواتِ في شعرٍ
الرعاة، وأن أماشي زهرةً
بريّةً تحنو على تلكَ القطاةِ
بضمِّها، ويحفنا حلمٌ، ودربٌ
أوليّ، نازلٌ نحو المياهِ
مُسبِّح أفقَ الجمالْ.
فأرى هروبَ الريحِ من هذا الكلامِ،
وكلِّ أحلامي تُعبأ مثلَ تينٍ يابس،
مثل الصنوبر يحملُ التنورَ في
أضلاعه منذ الولادة جمرةً،
أو مثلَ ثلجَ الليلِ مرمياً
على طرفِ السلالْ
فتذوب روحي في أماسٍ
لمَّها القصُّ المسافرُ من زمانٍ حيث كنّا
نلعبُ الأدوارَ عاشقةً تقبل عاشقاً،
ونسيرُ في دربٍ يوحّدُ ظلَنّا،
فإذا عيونُ الوقتِ
تجمعُ دمعَنا بيدين من عطشِ الغيابْ
لأكونَ مثل حمامةٍ فقدتْ جوانحها
فناحت دمعةً فوق السرابْ
وأكونَ مشنقةَ التأرجح بينَ ماضٍ
لم يزل يرمي علينا فتنةَ السردِ التأملَ
أو حضوراً عابراً لا يهتدي فيه المحبُّ
إلى الحبيبةِ، إنما يصغي إلى ما يجعل
الأنفاسَ تحبسُ، في طريقٍ كلُّه
نفقٌ طويلْ
حتى إذا جاءَ المحبُّ
تأوهتْ أسماؤه حزناً وأسئلةً
وضاعَ على صداها مرةً أخرى
لينسى دربَه نحو المياه،
يضيعُ في لغةِ الدليلْ
من أوصلَ الآهاتِ كي ترمي
على ليل المحبّ غيومَها
وتكونَ خوفاً فوقَ موّال العيونْ
من أبدلَ القاموسَ، حتى أصبحتْ
هذي الخسارةُ روحَنا
هذا المدى جنيةً قلبتْ موازينَ التكوّنِ،
صارَ للبرجِ الحقيقةُ كاملاً،
ولنا صباحُ الله، كي نمشي بقدرةِ قادرِ
نحو الجنونْ؟؟
من أسكنَ الوقتَ العماءَ بحالنا،؟
حتى إذا ما أبصرتْ دنياي
وقتاً للحبورْ
قلنا بأنَّ مصائبا لابدّ تحدث،
فالحياةٌ مجازرٌ ملأتْ طريقَ
الوقتِ حتى لوّثتْ كأسَ النبيذ
بعريها، ومضت تلوّن دربنَا
نحو الحليبِ، فسالَ أرعفةً، مدائنَ
تهتدي بالدمعِ في جرح الصدورْ
وغفا على أسمائنا ليلٌ القبورْ
قلنا سنكبرُ والرؤى لابدّ قادمةٌ،
أننساها عذاباتِ المساءِ؟،
يفيقُ حزنُ البحر في
أمدائه صبحاً على وجعِ الظلالْ
ودرجتُ أطلقُ في ممرِّ العمرِ أحلاماً
وأسألُ عن دروبٍ تكشفَ المعنى،
وتطلقُ في فضاءِ الكونِ أسئلةً
وأنسجُ من معاطفها
قميصاً للمدى
لكنني كنتُ المحاصرَ كالسياجِ
أبددُ الكلماتِ كي أغفو،
وأبصرَ من جديد ما تراءى
من سرابٍ، فوق ذاك الدربِ
حيثُ الانتظارُ يكلّل الصورَ
القديمة والحديثهْ،
ويفيضُ في جرحِ الكلامْ
وتوالت الأيام تنصبُ كلَّ يوم مأتماً
وتقدمُ الإهداءَ في شكلِ المقابرِ
والنخيلُ يصابرُ الأيامَ ملتحفاً
بما شربت لياليه الطويلةُ
من مرارٍ يُوقظ المعنى
ويتركُ في الغيومِ الناي
مثقوباً بذاكرة الأنامْ,
فرجعتْ للشعرِ الحنونِ يخبئ الأسماءَ
في ذاك الصدى
ويزينُ الأكوانَ في روحي،
لأهذي خارجَ الأسوار مبتعداً،
لينشطرَ المسارٌ بظل تأويل الحكايةِ
ثم يسكبَ في ممرِّ العمر ألواناً
من الفرحِ المؤجّل، يكشف الألغازَ
في مرآتها، ويرى إناث الأرض
في روحي، وما صارت إليه اليومَ
في عزِّ الظهيرة من سماءٍ ترتدي
لُغَةَ الهُيامْ
فهمست للعمر ِ الذي قد ضاعَ
في هذي المسافةِ،
سوف أرمي للكمنجة جرحَها فينا،
وأتركُ للمشيبِ عواصفَ
الزمن الردئ، فربما
تسَّاقطُ الأسماءُ من مرآتها
ويصيرُ بئر العمرِ متسعاً
على ليلِ المنافي، سرِّ
أحوالِ المقامْ