إلى الصديق: محسن عبد الحميد
كيفَ انفتحتْ تلكَ الأبوابُ وسرتُ إليها
لا أدري، فروائحُ معملِ سكَّرِ حمصْ
سرقتْ مني أسماءَ الوقتِ، وروحَ اللحظةِ
نقلتْ هذي اللهفةَ زمناً،
فكأني زهرُ العباد، وذاكَ الوقتُ شموسٌ.
وكأني لم أخرجْ من درسي،
فالروح هنا سكنَ الماضي في غفلة دهرٍ،
فانسكب السرُّ على الأسفارْ
هل كنتُ أخزِّنُ بوحَ الريح بروحي،
أم أنَّ نوافذَ قلبي، تطفو فوقَ
زوارقَ تدفعها الذكرى، لحناً في الأوتار
وتعيد الشيبَ إلى بستانٍ
قد سرقَ الرغبةَ من صدر إله،
نامَ قليلاً ثم تخفّى في الأدوار؟!!
فتدلّى من سقفِ الذكرى
أسماءٌ، بعضُ وجوهٍ
دربٌ تأخذنا في غمزةِ أنثى،
ما زرعتْ كفيّ من ظلِّ الكينا
قربَ الأسوارْ.
فأُراني أدخلُ صفاً،
أسمعُ ما قالَ الأستاذ بدرسِ الرسمِ،
وكيفَ أجاهدُ بَرْداً يدخلُ دونَ
استئذانٍ، فينامُ رفيقاً قربي،
يدنيني من ذاكَ الطائرِ قربَ القطبِ،
مساءً أو فجراً،
حتى لكأني روحُ صليبٍ،
يومَ تعرَّى ثلجُ الليلِ على الأنهارْ.
وأُراني أرجفُ خوفاً،
حين مددتُ قصائدَ روحي،
فانكسرتْ في ظلِّ البسمةِ
وارتحلتْ دمعاً في الأشعارْ.
وأُراني أمضي من تلكَ الفتنةِ
خلفَ خطاها،
وأقول: سأكسبُ يوماً سرَّ نبيذٍ
ألقى الجمرةَ في السمّاءْ
كنّا نتسلقُ دربَ الغيمَ
فنمطرُ كلَّ صباح أحلاماً،
ونهرِّب آخرَ درسٍ، كي نتصيدَ
عينَ اللهفة، عطرَ صبايا يمشين
كما الحجلُ الهادئُ صبحاً،
فنرى كيفَ يصيرُ الشعرُ من الأقمارْ
ونروحُ نتابعُ كيفَ يطيرُ الروحُ بنا،
تلك ابتسمتْ،
تلك اكتشفتْ عيني حينَ تعرّي
لوزَ مفاتنها،
ونروحُ نرافقُ دربَ الفتنة
من بابِ المدرسةِ الغسانية
حتى منعطفِ الساعةِ ظهراً،
ونظلُّ دروباً حتى يغلقَ بابُ السرِّ،
تصير الأنثى داخلَ أسوارِ الأسرارْ
لنعودَ بجرحِ اللهفةِ طيراً،
ونطيّرُ زهَر اللوز سماءً،
حتى يعشبَ قمحُ الروحِ على الأحجارْ،
ونروحُ نهلوسُ كيفَ القبة قد
سرقتْ من نهديها ظلَّ القوسِ
نجومَ الفتنةِ، كيفَ تجلّى سرُ اللحنِ
بمشيتها، حتى ارتاحتْ هذي
النغمةُ في الأوتارْ.
وأُراني أنده زرَّ قميصٍ،
يفتحُ باب السرِّ إلى روحي
ويجمّعُ في القلبِ زهوراً
ترسمُ تلكَ الفتنةَ في الإبصارْ
وأراني أهوي فوقَ ضلوعي مرتجفاً
يا محسن هذي \"غادةُ\" من حبقٍ
قد طيَّرها آذارُ حنيناً،
فارحلْ كي نتملّى تلكَ الخمرةَ في قيسٍ
يتشظى فوقَ أنين الناي،
يغني الغيمَ بسرِّ الأنهارْ
يا محسنُ: دعنا من هذا الضوءِ،
وهذا الكشفِ،
وذاكَ الجسدِ الملقى في سرِّ الغبطةِ،
دعنا من وترٍ تركَ المعنى
فوقَ الجسرِ المسكونِ حماماً،
كي نتأمل، ثم نشفَّ
كما طير قد مالتْ دنياه إلى غربٍ
وتوارى في الأسرارْ
يا محسن: هذي دنيا من فيض الله
على الأنوارْ
فلنترك بعضاً من رائحةِ الشوقِ
على الأبوابِ وفوقَ القبهْ
كيمامٍ يُومضُ في السرْ
أو كفراشٍ نامَ بروحِ الضوءِ
على الأزهارْ
يا محسن
ماذا نتملى، والليلُ المعتمُ
قد صارَ طويلاً، وترامى فوقَ
الدمعةِ شجراً كالصبّارْ
يا محسن
أيقظْ هذا الصبحَ سريعاً
فلقد ملَّح روحي طولُ الوقتِ،
وذاكَ الدربُ إليها يمسكُ قلبي
كي أكره عتمَ البعدِ،
وأعشقَ ما قالَ الكفُّ على
خصرِ يلدُ الوقتَ
وروح الحنطةِ في الأسرارْ
يا محسن..
وانكسرَ الوقت على جرفِ
الحاضرِ كالفخّارْ
فجريت ألملمُ بعضَ غيابٍ
شيئاً من ماءِ في ذاكِ العود
اليابسِ،
قل ماءً من روحِ الأشجارْ | 
