إلى الشاعر الصديق أحمد دحبور \"
ما كانَ لي أن عرفَ الغيَّاب
في أحوالهم
حتى انتبهتُ إلى المشيبِ وقد تكلّلَ بالوقارِ
ففاضَ في إفشاءِ أسرار المساءِ
وما تجمّعَ في القلوبِ مسافةً
حين التوى قلبُ المحبِّ إلى الأغاني
كي يمثّل صرخةً مكتومةً
ترمي إلى نور الخمور ثيابها
وتزيد في وجع الحضورْ
ما كان لي أن أحتمي بمدى الحروفِ
أجاهد الأيامَ كي تدني صديقَ العمرِ
من خلف الظلالِ لأبصرَ المسكونَ
في دنيا الشبابِ وقامةِ الأيام
في مرآتها الأولى
بياضَ الوقتِ لولا أنني كنتُ البديلَ
إلى المرايا دورةً
فكأنَّ ألوانَ الخريفِ تُخبئُ
الساعاتِ كي يَصفَرَّ هذا المعصمُ
المسكونُ في أُفقِ الكتابةِ
ثم تصفَرُّ العروقُ بظلّنا
ما أثمرت دنيا التأوهِ
من كلامٍ فوقَ ذاكرةِ الشهورْ
ما كانَ لي أن أكتوي بمدى الغيابِ
وأنحني فوقَ اليدين تلوناِ الكأسَ
بالكحلي، تجمعُه برفق الرعشِ
حتى زارني طيفُ القصيدةِ
في حضورِ بهائها
فرأيتُ وجهكَ يفتّحُ الصدفاتِ
يُوقظ عاشقاً يومَ ارتدى
قمرَ الأحبةِ ساهراً
ورأيتُ أياماً يساكنها الحبيبُ
وتكتوي بالشعر أحلاماً
فيختصرُ الزمانُ شعاعَ أسئلةٍ
يفيضُ بظله فوقَ العطورْ
ما كان لي أن اقتفي سرَّ البيوتِ
حمامَها فوقَ السطوحِ
تحيةَ الجيران تعبرُ من فضاءِ سلامهم
حبقَ النوافذ، حين يرسمُ في الممرِّ حياتنا
ذكرى القصائد حينَ يصرخُ
جرحُها ليلاً، وينده باسم \"لارا\" حافياً
والكأسُ تأخذُ وقتنا نحو الصباحِ
كأن ناراً تُشعل الأعوادَ في غاباتنا
فيطيرُ جنيُّ بنا
لولا ظهورُك فجأةً قربَ الحديقةِ
حاملاً تعبَ السنين وما تبقى
من شبابٍ أزهرَ الأوقاتَ يوماً
ثم راحتْ وردةُ الأفياءِ تذبلُ
في ممر بهائها
لتفيضَ غيماً يرتدي أُفقَ الخمورْ
فهممت أن أمشي إليك فردّني
ما أبصرتْ عيناي من ظلِّ الخسارةِ
في العيونِ، ومن نعوشٍ تتكي
فوقَ اليدين تفضُّ أسئلةَ التجلي
ثم تفتحُ للخسارةِ بابها
فظننت أني قد تخيلت المسافرَ
حزنَه الممتدَّ فوقَ الأرضِ
تحملُ من خرابِ حروبَها موتاً
فلم يصمُدْ على مينائها غارٌ
ولا تركتْ لعطرِ الليلِ أغنيةً
فصارتْ في جنون مدارها
برجاً لتشكيلِ الصخورْ
هل غبَّشتْ فيَّ الرؤى
لكنني ما كنتُ أُخطئُ في التأملِ
فالقلوبُ تمدُّ أجنحةً لتعرفَ أنّكَ
الممتدُ من أُفقِ الشباب إلى المعاني
حين تكتبُ خطوها شعراً
نطيّرُ فوقها كونَ التجلي
كي يكونَ بياضُها ذاك الحنينَ
إلى التذكرِ للعبورْ
ورأيتُ أن أمشي إلى هذا التشابهِ
في الرماد، أضيءُ من ذكراي وجداً
يرتدي أفقَ التصور
ثم يُلبسُ هذه الأكوانَ
من عبقِ الفتوة لؤلؤاً
ورأيتُ أنْ أمشي
لأحلمَ أنني ما زلتُ ممتلئاً
بضوءِ الخمرِ واللحنِ الذي قد مرَّ
ظلاً فوقَ أنسام الكلامْ
ليضيءَ قيسٌ ليلَ صحوته على سفرِ المحبِّ
إلى الحبيبِ وإنْ ترامى البعدُ في ليلِ المدام
فمشيتُ، هل أنتَ البنفسجُ
يومَ أدركَ وقتَه ليلُ الشموسِ
فغابَ في تمّوزها عطشاً
فراحتْ تشربُ الماءُ المخبأ
في جرارِ الروح، حتى يبَّست
تلك المرارةُ خطوَها
فرحلتَ كي تدنو من الماءِ المقدسِ
تستعيدَ الخطوَ، بستانَ الرغائب
ما تبقى من جمالٍ غافلَ الإيقاع يوماً
ثم أدركَ أنه الوقتُ المحاصَرُ
في السياجِ بعزلةٍ قرب القبورْ؟
ومشيتُ حتى ضاقَ بي لهفي
وأكملتُ المنافي بالذي ما زالَ
في قلبي من الأشواقِ
تُزهر في الممرِّ إلى الأحبةِ
كي تخبئَ قمحَها فوقَ الصدورْ
حين انحنيتُ أضُّم عشرين الغيابِ
رأيتُ قلبي مثلَ بخّورِ الكنائسِ
سابحاً بفنائه نحو العطورْ
ورأيتُ مزمارَ الرثاءِ يدندنُ الآهاتِ
في هذا النشورْ
فصرختُ من وجعٍ، لأركضَ سابقاً
هذي الأصابعُ، حين تفتحُ وجدَها
شوقاً، لأحضنَ فيك أسئلتي
وما ترك الزمانُ بظلّه يوماً
لأدركَ أننا مثلُ البلادِ
ومثلُ أوراقِ الخريفِ
تحاصرُ الباقي مدى