حرنتْ بي الذكرى على بابِ الحديقةِ
والمدى يرمى الصراخَ على الأصابعِ،
والغيابُ يكحّلُ النزفَ العميقَ
بسقفِ هذا الغيم
والحمّى تروحُ بأحرفي
حتى ارتميتُ أضمُّ صوتَك في دمي،
وأُشَعِّلُ الصمتَ الطويلَ بظلِّ
أوراقٍ تودعُ سرّها فوق الخرابِ
وتنحني وجعاً على روحِ الفصولْ
فرأيتُ كيفَ الصوتُ يطلقُ من يدي
هذي القصائدَ، كيف شعّتْ
غابهُ الألوانِ في روحي، وكيف دنتْ
تعيدُ اللونَ للكونِ المسجَّى، للظلامِ يفيقُ
في فجرٍ يَشعُّ من النوافذِ،
للعروقِ بظاهرِ الكفينِ تصحو
بعدما سكنَ الذبولْ
حرنتْ بي الذكرى، فصرتُ أسرَها
فوقَ الكلولْ
ورأيتُ أنْ أرمي ظلالي
في مدى \"الفوَّار\"
علَّ عيونَه تُدني صباحَ القمحِ،
تُطلقُ في يدي نبعَ الأنوثة
من جديدْ
فالقول: إن النبعَ يَسمعُ للقصائدِ، للأنينِ
فتفيضُ سنبلةُ الأنوثةُ فوقَ بحرٍ
من مياه كلُّها ضلعٌ يؤانسُ وحشة الطرقاتِ،
أسئلةَ الليالي مفرداً،
ويفيضُ أجساداً، لتبتدئَ الطبيعةُ
من زواج الماءِ بالذكر الحنونِ
ويُخرِجُ السرَّ المعنونَ في الأنوثةِ
صاعداً نحو الوريدْ
لكنّه غطّى بأوراقِ الخريف
مساربَ الضوءِ المهرَّبِ من نبيذِ الكأسِ
حتى عتّمتْ تلكَ المدائنُ
هاجرتْ نحو الرثاءِ بظلّنا،
وبكتْ بأصواتِ الغناءِ
مساربَ الأجسادِ عائدةً بلا صوتٍ
بلا خصبٍ، كليلٍ من مدائننا
على نعشِ الدخولْ
وجلستُ أفردُ كلَّ أسئلتي بلا خجلٍ
وذاكَ \"الدلبُ\" يسمعُ صرخةَ
الأحلام، يدنو كي يواسي
حبقةً فوق الأصابعِ
شاعراً راحتْ سراديبُ الموانئ
تقتفي أحداقَه صبحاً،
وتأخذُ ظلَّه فوقَ الزواريبِ العتيقةِ،
ثم يهبطُ روحُه فوقَ الوحولْ
لكنني لم أحظَ بالإنشادِ، بالأجسادِ
بالماءِ المكلّلِ بالحلولْ
فصرختُ من وجعِ الخمورِ، وكأسي العشرين
رُدَّ الماءَ \"يافوّار\" في صوتي
ودع سرَّ الوجودِ يعيدُ تكوينَ الحكايةِ،
كي أرى خطوَ المحبِّ يُحرّكُ الأوقاتَ
حتى تهربَ الساعاتُ من ناقوسها،
وتطيرَ أضلاعي على جنحِ الطيورِ
فأدركُ الأسماءَ، أني
قربَ ساريةِ الوصولْ
رُدَّ القصيدةَ للغيومِ وظلِّها فوقَ الدروبِ،
مقاعدُ العشّاقِ تسألنا،
ومزمارُ الخليقةِ يُنشدُ الألحانَ
مذْ راحتْ أصابعُ آدمٍ
ترمي الجنانَ وتقنعني شهواته
فوق السهولْ
رُدَّ القصيدةَ إنني بغيابها
موتُ الحقولْ
حتى إذا أدركتُ أن القولَ فخارٌ
تكسّرَ في الضبابِ
طَوَتْ مرافئه السنون
رأيتُ قلبي شاهداً
يحكي مساراتِ الأفولْ
فشردت مبتعداً إلى صدرِ الجبالِ
تعيدُ إيقاعَ الجمالِ، ترتبُ
الأسرارَ في غاباتها، وتزّينُ
الوقتَ الملولَ ببعضِ رعشٍ في
الحواكير الخفيّة يوم يهصرُ عاشقٌ
خصرَ الحبيبةِ، والمدى أفقٌ خجول
فوقفت مرتعشاً كظل فراشة فوق اللهيب
وراعني أن الجبالَ ترنُّ حزناً طافحاً
والديرُ يندبُ سرَّه فوقَ الظلامْ
وبدأتُ أصعدُ للبيوت، فضمني حزنٌ
يفيضُ على الدروبِ، زوارقُ لم تأتِ
مذ غنّى مرافئه.. الغرامُ
وراعني أن البيوتَ تُذاكرُ الماضي
وتهجسُ في الخطا ليلاً
فينكسرُ الهواءُ بقلبها
وتسلّمُ العصفورَ مفتاحَ البيوتِ
وسرَّها، ماأودعتْ في العيد أمٌ
ما تبقى من شرودِ العشق
في ذاك الكلام
حينَ انكسرتُ على المقاعدِ عاجزاً
وتركتُ من جسدي تأوهَ
دمعةٍ، جاءتْ يمامةُ دارهم
نامتْ على زندي تقول:
لم يبقَ من أصحابنا غيرُ العجائز في الممرِّ
وشاعرٌ يبكي القصيدة منذ فجر اللهِ
حتى آخر الضوءِ المبعثر في الزوايا
حيث يُغوى حبقةً تُدني غيومَ الخلق
في هذا الزحام
ويروحُ يفتحُ في الكلام سؤالَه
نحو الطيور وهجرةِ الآجرِ
في هذا المنام
لكنه يمضي إلى نار النهايةِ بالجنون
مودعاً تلك البيوتَ وصوتَه
المرمّيَ في ولدٍ له
سمّاه بعد القهر، يومَ رمى التحيةَ
للبيوت فلم يجبْ أحدٌ ولم
تكتبْ تباشيرُ الرحيلِ جوابَ
ناي للشآم
سمّاه من قهرٍ بأسماءِ الحسامْ
ويروح للبستانِ، للأحجار، للباقي
عطور الليل ـ يروي قصة
الهجرات في نوحِ الحمامْ
حتى إذا ما أنزلتْ قِرَبُ السماءِ
غيومَها
أَلفيتَه يبكي كطفلٍ ضائعٍ
فوقَ الحطامْ
والنبعُ يشربُ من ظلالِ حضوره
روحَ الكلامْ