لم أخترِ الأوقاتَ، قد جاءتْ
مصادفةً، وجئتُ زمانَها,
لأقولَ للبحر الذي حاورتُه طولَ الطريق:
كم أشتهي وقتاً أجالسُ فيك
أَسئلتي وأوهامي,
وما قد صارَ في روحي
من الهمِّ المكدَّس في ثنايا هذه
الأيامِ أو فوقَ الخيالْ.
كم أشتهي أَنْ أعبرَ الجدرانَ,
علّي أسمعُ الأصواتَ في مرآتها
الأولى، وأوقظَ غفلةً نامتْ
على زندِ السنينَ، وهاجرتْ
بدمِ الزوالْ.
وفجأةً صرتُ الصغير بلثغةِ الأسماءِ
والكلماتِ، ما أوحتْ به أمٌّ لجارتها,
وما صارتْ به دنيا الحلالْ
وعلى ظلالِ البحرِ في حيِّ الرمالِ,
تركتُ فيه نعاسَ أحلامي,
وصرتُ الطفلَ في ضلعِ الحكايةِ,
والأبُ البدوي يرمي صوتَه مثلَ الرعودِ،
ومثلَ أوهامِ الظلالْ
فأشمُّ دخّانَ السجائر،
لونَه المسودَّ
ما صارتْ به دنيا الأصابعِ
من ظلال ترتدي لونَ الرمالْ
وفجاءةً عادتْ إليَّ اليومَ وِقفتهُ
على دنيا السؤالْ:
سأروحُ للقدسِ الشريفِ مقاتلاً،
ولكِ الخيار بما تَرينْ
فتفيضُ من عنقِ الزجاجة
حَيرةٌ. وتصيرُ دربَ الدمعتين
فكأنني غصنٌ تعلَّق في الهواءِ
وأسرعتْ تلكَ الزوابعِ بالعبور
وساقَها أُفقُ الشمالْ
عند المساءَ تقول أم لابنها:
هذي الحكايةُ دربُنا، مذ صارتِ
الطرقُ القديمةُ والحديثةُ تحتفي
بظهورِ روما فوقَ ألواحِ المعابدِ،
مذ تولّى السادةُ الحكامُ إِغلاقَ النوافذِ
والبنادقُ خبأتْ صوت المساءِ بروحها،
مذ أصبحتْ تلك الغيومُ غريبةً
عن دارها، والنايُ يصقلُ جرحَها
لغةً وأحلاماً، يُفتِّحُ سرَّها
فوق الخيالْ
عند المساءِ تقولُ أم لابنها:
ستكونُ بابَ البيتِ،
مئذنةَ الكلام، وتلةً
أرمي عليها زفرتي،
ما صارَ من تعبٍ على جرحي
وما تحملُ الأيامُ من عرقٍ غداً،
فأبوك راح يقاتلُ الأعداءَ
قربَ القدسِ في صفدٍ
وتذكرُ من بلاد اللهِ لا أدري
وتسقطُ فوقَ وجهي دمعتان،
وما تجلَّى اللهُ في ذاكَ الجمالْ
في الصبحِ، كانَ البابُ يُطرقُ من أذان
الفجر، والأشياءُ تفتحُ ذاتها.
وهناكَ عندَ الباب أغراضٌ
طعامٌ جاهزٌ،
وعلى مدارِ الوقتِ لم نلحظْ
بأنَّ الوقتَ قد سرقَ المؤونةَ عندنا،
بل كان دنيا قادراً للاحتفالْ
وفجاءةً مرتْ على سفري عيونُ أبي
وقد حملَ الجراحَ عميقةً في ضلعه،
والآهُ تندهُ فوقَ أكتافِ الرجالْ.
وهناك فوقَ الدرب، في كتفِ المسافةِ
كانَ يجلسُ سابحاً في قهره وجعاً،
وشكراً للذي دارى غيابَ الظهرِ
في ذاكَ القتالْ
وفجاءة وقفتْ بنا هذي العروقُ،
وصوتُها يمتدُّ في كلِّ اتجاهٍ نحو جرحِ
الوقتِ كي نرتَدَّ نحو الحاضرِ
المزرَقِّ في شيبٍ تناثرَ
في زوايا القلبِ
مزعوماً بذاكرةِ الجلالْ |