للعيدِ نكهتُه هنا
وهنا على أَطرافِ باديةِ الشآمِ
رأيتُ قلبي مرتين
في المرَّةِ الأولى
وكنتُ أفيءُ في خمسِ السنينَ
رفعتُ نصفَ قميصِ ساحرتي،
وأنزلتُ الفراشةُ من ستائرها
فأسرتْ بي على أكتافِ رعشتها،
ولم أَلحظْ سوى قلبي
يدقُّ جروحَ أضلاعي،
ويخرجُ للمدى علناً
وقد أمسى قتيل َالفتنتين
في المرة الأخرى
سمعتُ صراخَ أغنيةٍ،
ودولاباً يداهمُ غيمَ أحلامي
فتخرجُ لهفةُ الأولادِ من
عُمقِ الشهيق بزفرةٍ،
فشممتُ عطرَ العيدِ يوماً،
نكهةَ الأقراصِ ذاكرةً تنوءُ،
رأيتُ نفس بعدَ خمسين الغيابِ
كغيمةٍ ترنو إلى شجرِ الفرات
وقد تداخلَ في التأمّلِ،
بين ماضٍ يحتفي بسمائه ليلاً،
وهذا الوقت، يأخذُ طينَه في غربتين.
فوقفت أسألُ عمريَ المسفوكَ شوقاً،
أن يباعِدَ بين ظلِّي في دروبِ اليأس والحمّى،
وما صارتْ إليه اليومَ أسئلتي وأوهامي،
تصدَّعَ فيَّ من روحٍ، ومن جسدٍ على
أعتابِ أحلامي وكلِّ رمادِ أسماءِ السنينْ
فرأيتُ كيفَ تكسَّرتْ فيَّ الدروبُ تدرجاً
ما عدتُ أعرفُ أيَّ منحدرٍ يروحُ بأضلعي
فعرفتُ أَني قد يدورُ بي الجفافُ
بأنني لابدَّ أسترَ وجهي المزرّقَ في
الحمّى، وأنقلَ ركبيَ المهزومَ للأرضِ التي
ظلّتْ بروحي شارةً
وبأنني في آخرِ الهجرات
أرجعُ عائداً لهديلِ نافذةٍ
تركتُ بروحها يوماً ظلالَ
الملح في لغتي،
ورحت مُسائلاً روحي، ودربي كلُّه منفى
فأجهشَ طفلي المخبوءَ في أوراقِ
ذاكرتي، تكلَّل، بالفجيعةِ
وارتدى رَعْشَ الأنينْ.
حتى إذا كشفتْ شموسُ الوقتِ
ما قالتْ مدائنُ لهفتي يوماً
رأيتُ خيالها بينَ الأصابعِ،
والمرايا تعكسُ الأيامَ
في هذه الظهيرة
مثلَ ألوانِ الوداعِ
كما الكمان يذاكرُ الألحانَ
في خشبِ اليباس،
وتحتفي هذي الأكفُّ بروحها
وجداً، كما لو أَنَّها خضراءُ
في أفقِ الغصونْ
ومشيتُ أفتحُ دفترَ الأيامِ
أُنصتُ للمغني في دمي،
هذي طفولتي البعيدةُ هاهنا
وأَنا أظلُّ ببابها
وهناك يرمقني بكلِّ بكائِه
وجهي الحزينْ
وفجأةًَ أحسستُ رائحةَ
الدموعِ تُغيِّبُ الأوقاتَ
ثم تقودني نحو الفراتِ
وجرحِه
لتصيرَ شكوانا مرافئَ لوعةٍ،
وأصبرَ فوقَ الكأسِ
شاعرَه المخضَّبَ بالحنينْ |