كان آتياً من هناك
من بعيد، من وراء السحاب
حيث تزدحم الجوامع
والكنائس العالية
والقصور والقلاع الكبيرة
وتترامى إلى أبعاد شاسعة
السهوب الخضراء المستوية
حيث يغمر الضباب كل شيء:
النهر العريض الكامد الساكن
الروابي والغابات الخضراء والتلال!
ـ أعرفه.. أعرفه هذا المتشح
بالأبيض.. هذا الفارس الجليل!
قال آخر الجنود العرايا
ـ كان صديق العجوز، أمي
كان يقص لنا الحكايا!
ـ أعرفه.. ينبع من قلب الأرض
من هناك بعيداً يجيء صامتاً ومهيباً!
قال الشيخ ناحباً ابنه الوحيد المسجى
الذي جلبوه إليه هذا الصباح
الجنود الجرحى..
ـ لم يبق ثمة أحد يا أبتي
هناك لم يبق أحد
ولا حتى الحقد
لم نغلب
ولم ننغلب
فعل طائش، صدفة بليدة
هي التي فعلت هذا
ثقبت قلب ابنك الوحيد
وهناك كان الدم حاراً
وهم أيضاً.. هناك ماتوا
جرحوا.. عادوا يحملون الموتى
أو يدفنونهم في الثلج الأبيض
ونحن أيضاً رأيناه قادماً
من بعيد.. هذا الجليل
سار بجواده حتى الوسط
هنا كنا.. وهناك كانوا
كلانا تعب ويائس!
ـ عودوا يا أولادي!
قال الجليل
ـ عودوا إلى بيوتكم.. إلى
المدافئ، الأطفال، الأرامل،
اللبن والقهوة القوية
ودفء الزوجات بانتظاركم!
كان الفجر يبزغ ببطء
وندف الثلج تهمي على الخنادق
والرجال والأسلحة والوحول
لم يكن هناك شر
لم يكن هناك شر
لم يكن هناك شر