صباحاً قمتُ للمرآةِ أنظرُ لي
فقالت لي :
\" أُباركُ عيدكَ الخمسينْ
تذكَّرْ أنَّ لا خيلاً سَتَصْهلُ
بعد هذا اليومِ
لا شجراً سيعلو فيكَ
لا زهراً يفوحُ شذا
ولا جرساً يرنُّ بِهِ منىً
وحنينْ
فعيبٌ بعد هذا العُمْرِ
أن تَعْشَقْ \"
فجاوبها صدى الوديانِ في روحي
وقال لها :
يقيناً أنتِ واهمةٌ
فليس بوسْعِ أشجاري
بأنْ تذوي ،
وأقماري
تجوبُ الأفقَ عاليةً
ولا تَهْوي
وما شاخت رعودُ دمي
ولم يُخْمَدْ بصدري بَرْقْ
أنا ما زلتُ مثل أنا
فأزهاري مفتّحةٌ
وعينُ القلبِ صاحيةٌ
كذبتِ إذنْ
فَنَهْرُ القلب في الخمسينْ
يحاول صيغةً أخرى
لمعنى العمرِ ، يجري في تدفّقِهِ
ولا يعنيه أنّ البحر منتظرٌ
ليشربَهُ
فلا يشكو
ولا يقلقْ
فَدلّيني على رجلٍ مهابيٍّ
إذا دانى عبيرَ النارِ
في امرأةٍ
يحيدُ بجمره عنها
ولا يدعو طفولتهُ
لأنْ تَشْهَقْ !
أحيليني على رجلٍ
شفافيٍّ
إذا ما زلزلت أركانَهُ امرأةٌ
ينام كأنْ لا رملَ في عينيهِ
أو طيراً خرافياً
على أحلامِهِ حلّقْ !!
فلا تثقي بأنّ النمر إنْ يهرمْ
يغادرْ قلبه العالي
فلو نعست قناديلُ الهوى
البريِّ في ليلي
ستبقى فوق رفّ الليلِ
لو شمعةْ
يُنَوّرها إلى امرأةٍ
تعشّشُ في تنفسِّهِ
ويبنسها بعروةِ جرحِهِ المنسيِّ
بين خرائط الدمعةْ
أنا طقسٌ خلاويٌّ
دياري خيمةٌ بدوية الوجدانِ
واللوعةْ
وقلبي منـزلٌ للريحِ
لا سقفٌ له يبقى
ولا بابٌ به يُغْلَقْ
فمن حقّي على قلبي
أُدَلّلُهُ
أسايرُهُ
وأتركُهُ يؤاسي جرحَهُ المطْلَقْ
أراني خارج المعنى
وبين أضالعي ورقٌ
من الأشواقِ حتى الآنَ
لم يُحْرَقْ
هو العُمْرُ الحراميُّ الذي ما
زال يخلسُنا
ونحن عبيده الأَسْرى
فكيف يُلامُ من يَهْوى
لكي يُعْتَقْ ؟!
سرابٌ كل هذا الماءْ
ومثلي يا معاتبني
بماء سرابه يَشْرقْ
دعيني الآنَ لا أحتاجُ
تذكرةً تُصَحّيني
دعيني إنما الخمسونَ
بدءُ سؤالِ تكويني
وبدءُ اللثغة الأولى لطفلٍ
لم يزل يُخْلَقْ
* * *
أفقتُ نظرتُ للمرآةِ
ثانيةً
رأيتُ زجاجَها المصقولَ مكسوراً
وفي كفّي خيوطٌ من دمٍ أزرقْ