حتى السادسةِ من
العُمْرْ
كان حذائي كمشةَ رملٍ
أو نصفَ حجَرْ
-2-
وكبرتُ قليلاً
صار حذائي قطعة خَيْشٍ
قَدَّتها أمي من طرف الخيمةْ
في الأغلب كنتُ أُقَضّي
نصفَ اليومِ
أُقلِّع شوكاً من قدميَّ
ومن دمعِ العينينْ
وإذا جاء الفصلُ الشتويْ
أتناقزُ في الوحل إلى رُكبي
أتركني في الوحل أباكيني
ثم أُوكّلُ ظِلي أن يرجعَ
للبيت لكي لا يسأل عني
مِطراقُ أبي
- 3-
لفَّقْتُ حذاءً من عيدانٍ
يابسةٍ من شجرةِ لوزْ
كنتُ أُحس بأوراقٍ
يانعةٍ تنبتُ بين أصابعِ
قدميَّ ويقضمها دودُ القزْ
كان أبي يرفش في بطني
\" بالبسطار \" إذا ألعبُ كرةً
بحذائي
ويُسوّدُ عيشةَ أمي
ويدور أمام الناس ورائي
ينهرني ويقول :
لو ثُقبتْ رِجْلك فَسَتَشْفى
لو جُرِحَ حذاؤكَ فَسَيَلْزَمُني
أدفعُ لمصلّحِهِ قرشينْ
ولذا يمنع عني الحُبَّ لنصفِ
سنةْ
والخبزَ ليومينْ
- 4-
وفَّرتُ بأسبوعٍ مصروفي
اليوميّْ
وابتعتُ حذاءً أجهل صاحبه
الأولَ والثاني والثالثْ
ما أعرفه كان حذاءً لا ربّاطَ
لَهُ معروضاً في سوقٍ يحمل هذا
العنوانْ : European Shoes
مرتوقاً من عند الكعبِ
ومفزوراً من طرفِ البوزْ
حاولتُ أعيدُ حذائي
لكنّ البائع رفض وأكَّدَ
أن الخطأ يعود إلى طولٍ
في إصبع قدمي اليمنى
وعليَّ لزاماً أن أنحتَ
من قدميَّ قليلاً .
- 5-
حين توظفتُ شَرَيْتُ حذاءً
أغلى من نصف معاشي
لم يلبس قدماً قبلي
كان يُزَحْلقني المرةَ تِلْوَ المرةْ
وأفيق أُلَمّعُهُ من قبل طلوع
الشمسِ ومن قبل رجوعِ الحظّ
المنحوسْ
كنت أسير على مهلي بينَ
الزملاءِ
وبين دموعِ الروحِ
وحين يجيء الليلُ أُنَوّمُهُ
قُرْبَ عيون الفانوسْ
عَمَّر عندي عاميِن ولمّا
كَثُرتْ فيه الرّقَعُ
وأَحْرجَني بين الطلابِ
وتحت عيون بنات الجيرانِ
قبرتُ حذائي
وقرأت عليه ترانيم جنوني
وبكيتْ
- 6-
حين ذهبتُ أُدَرّسُ
في قلب الصحراءْ
وعشقتُ طقوس الرملِ
وأمزجة الريحِ
وأحزانَ العربِ العَرْباءْ
انتعلتْ قدماي الخُفَّ العربيْ
خُفّاً من وبرِ الإبلِ البيضاءْ
كنت إذا أمشي أو أركضُ
يلحقني الجنُّ
وأسمع من قدميَّ رُغْاءْ
والآنَ ولمّا فيَّ اكتهلَ
النمرُ
ولمّا بدأتْ تتقنُ فنَّ المشْيِ خطايْ
لمّا صار لديَّ ثلاثون حذاءً
سُرِقَتْ مني قَدَمايْ .