الشمسُ تَهْبُطُ خَلْفَ آخرِ صَخْرةٍ،
في قِمَّةِ الجبلِ البعيد،
وَنَحْنُ نَصْعَدُ،
رُبَّما لَمْ نُصْغِ للأَجراسِ،
لكِنْ... ها هو الدَّيْرُ العَتِيقُ،
يَلُوحُ في الشَفَقِ الشَّفِيفِ، كَرَاهِبٍ
مَا مَلَّ جُبَّتَهُ التي اهْتَرَأَتْ عليهِ،
ولا قُعودَ القُرفُصَاءِ على الصخورِ،
ونحن نَصْعَدُ،
والسنُونْ..
ـ تِلكَ التي كُنَّا نُخَضِّلُها هُنا ـ
وَرَقٌ خَرِيفيٌّ تُطَيِّرُهُ الرِّياحُ،
ونحنُ نَصْعَدُ... ثُمَّ نَصْعَدُ؛
أينَ ذاكَ (الغارُ) ـ تَاجَ الدَّيْرِ ـ
أَين مَضَى؟
تَبَدَّلَ أم تَبَدَّلْنَا!!
أم أنَّ (الغارَ)،
في بئرٍ من النسيانِ غارَ،
ونحنُ عنهُ غَافِلونْ؟...
*
كُنَّا نَراهُ مِنْ بعيدٍ في الشتاءِ،
ولا يرانا،
ليسَ غاراً،
بل رُواقٌ داكِنٌ رَحْبٌ،
تُبَلِّلُهُ خيوطٌ من ضِياءٍ خافتٍ
مُسْتَغْرِقٌ أَبداً بِعُزْلتِهِ،
ومُلْتَفٌّ بأشجارٍ بلا أسماءَ،
تَنْبُتُ في سُقوفِ الصَّخْرِ،
كانَ ـ إذا الثلوجُ تَنِثُّ ـ
يَغْلَقُ بابَهُ،
وعلى بُطونِ السَّهْلِ والوديانِ،
يَنْسَفِحُ السكُونْ...
حَتَّى إذا نَصَل الشِتاءُ،
وزَمَّرَ الشُحرورُ،
فوق شُجَيْرَةٍ سَكْرَى،
نَخِفُّ لِظِلِّهِ ثَمِلِينَ،
نَمرحُ، عابثينَ بِصَمْتِهِ،
وَوَقَارِ عُزْلَتِهِ
فيَخلَعُ جُبَّةَ الرُّهْبانِ،
ثم نَدورُ بالأنخابِ،
وهو يَعُبُّها صِرفاً،
ويرقصُ بيننا،
حَتَّى الجنونْ...
*
الشمسُ ترحلُ؛
والرمادُ يَنِثُّ في الجبلِ البعيد،
وتَخْفُتُ الأجْراسُ،
تخفُتُ وَرْدَةُ الدَّيْرِ العَتيقِ،
ونحنُ نهبُطُ... ثم نَهبطُ
رَاحلينْ...