منذُ ضيَّعْتُ طريقي،
لحقولِ القمحِ،
ضاعَتْ
رُبَّما يعرفُها البدوُ الذين ابتعدوا،
عن طائرٍ مُشتَعِلٍ،
يقفو خُطاها..
ها أَنا،
أَرتدُّ للطفلِ الذي غادرني،
ذاتَ مُجافاةٍ لأسرابِ القَطا،
والبدوُ يمضونَ بعيداً،
فلأَكُنْ،
لو فسحوا لي،
حَمَلاً يثغو على آثارهم،
عَلِّي أراها..
*
ما اسمُها؟
لو لم تكنْ مِنْ قَبْلُ،
تأبَى أن تُسَمَّى
لنقشتُ الآنَ بالوردِ،
على كُلِّ الينابيعِ،
اسْمَهَا..
وَجْهُهَا القَمْحِيُّ،
سُلطانُ البراري
فَمُها المعقودُ كالتَمْرةِ،
والموشومُ بالنيليِّ،
ظِلٌّ لالتقاءِ الأفقِ بالأرض،
وعيناها فضاءٌ للزَرازيرِ،
وغابٌ للمَهَا..
سأسميها، وقد أَسرَيتُ ليلاً،
نجمةَ الصحراء،
عَلِّي أنفضُ العُتمةَ عن وجهي،
إذا فاضَ سَناها..
*
ها أنا،
والبدو يمضون بعيداً،
أتشظَّى وَلَها ..
لَكَأَنَّ الأرضَ،
كُلَّ الأرض،
ما زالت بعيني بُرعُماً،
لم يَتَفَتَّحْ بَعْدُ،
وهي الماءُ،
ينسَابُ على صَلصالِ قلبي،
بل هي الشمسُ،
التي روحيَ دارَتْ حولَها..
لكأني لم أزل أصغي،
إلى صَلْصَلَةِ الدُّمْلُجِ والخلخَال،
في المِعصَمِ والسَّاقِ،
وأَنْسَاقُ لَهَا..
ونِسَاءٌ بَدَويَّاتٌ أمامي يَتَهامَسْنَ:
\"مَن الطافِحُ في البَرِّ،
من المجذوبُ هذا؟!\"
ثُمَّ يمضينَ بعيداً
يا ظِباءَ البَرِّ، لا تَبعدْنَ عَنِّي،
عَلَّها تطلعُ منْ خُصلَةِ ليلٍ،
رفرفَتْ في وَجْهِ إِحْداكُنَّ،
أو تلمَعُ في قِرْطٍ،
على جِيدٍ تَدَلَّى... عَلَّهَا..
ها أنا،
أعدو.. وأعدو،
وهي تنأى
وأُنادي،
والصدى حولي يُنادي:
\"لَنْ تَراها أَبداً،
حتى ترى الطفلَ الذي غادرتَهُ،
ذات متاهٍ،
فتوارى،
وتواريتَ،
فأدمَنْتَ المتاها..
*
نجمةُ الصحراء تخبو في ضباب التيهِ
تغدو حُلُماً،
والطفلُ يغدو حُلماً،
والبدوُ يمضونَ بعيداً،
........................
هل أراهُمْ،
هل أراهُ،
هل أراها؟..