يومٌ عبوسٌ،
خَلْفَهُ يومٌ عبوسْ..
لم تنفطِرْ روحي من الأحزانِ بَعْدُ،
ولم أَقُلْ: أينَ المفَرْ..
مازلتُ، في فلوات أيامي، أَجوسْ..
وأنا الذي لو أنزلوا حُزني،
على حَجَرٍ من الصوَّانِ،
لانفَطَرَ الحجَرْ..
*
يومٌ عبوسٌ،
خلفَهُ يومٌ عبوسْ..
كانت خنازيرُ الدجى صوبي تدبُّ،
وكنتُ أشهَقُ بينَ أَحضَانِ المدينةِ،
مثلَ طفلٍ،
ساعةَ اختَفَتِ السواتِرُ والتروسْ..
وامتدتِ الفُوضى بهِا،
مَدَّ البصَرْ..
فَرأيتُ أحشاءَ المدينةِ،
وهي تُرمى في الشوارع،
والمخالِبَ،
وهي تنبشُ في الحُفَرْ..
كان الظلامُ يفحُّ من حولي،
ويُطلِعُ كُلَّ ما في القاع،
من قَيْحٍ،
ومن نَتَنٍ،
ومن مَرضَى نفوسْ..
والحوتُ،
في صمتٍ يغضُّ الطرف،
وهو يرى كلابَ الليل،
تبتلِعُ القَمَرْ..
*
يومٌ عبوسٌ،
خلفَهُ يومٌ عبوسْ..
ورحى تدور،
وتطحَنُ القلب الذبيحَ،
رحى ضَروسْ..
للهِ ما أَلقى،
حريقٌ بينَ أَضلاعي،
وَصِلٌّ في ردائي،
لا صدى لي، لا أَثَرْ..
شجرٌ أنا،
حولي تزاحَمَتِ الفؤوسْ..
لا صوت ظَلَّ، ولا فضاء،
فكيفَ أستسقي المطَرْ؟
*
يومٌ عبوسٌ،
خلفَهُ يومٌ عبوسْ..
لم يبقَ غيرُ الصبرٍ،
صبراً يا بلادي،
يا مساكِنُ، يا مآذنُ،
يا مفاتِنُ، يا جَنائنُ،
يا شَجَرْ..
صبراً على مُرِّ الكؤوسِ،
نعبُّها صرفاً،
وتمتلِئُ الكؤوسْ..
صبراً على وَجَعٍ يدقُّ الرُّوحَ،
يا روحي التي تنقادُ،
من مُرٍّ إلى مُرٍّ،
لِتَحتَمِلَ الأمَرّْ..
هي بعضُ أيامٍ أُخَرْ..
بين البَسَاطيلِ الرئيسَةِ،
والبساطيلِ الرؤوسْ..
هي بعضُ أيامٍ أُخَرْ..