بَرَدٌ على جسرٍ طويلْ
سيمرُّ زغبُ الليلِ
كي تجدَ السماءُ مبرراً
لنهايةِ الإيقاع
قبلَ نزولها لتنامَ في حلمٍ قصيرٍ..
ضيقٍ..
قرب الهزيمة
الليلُ مَرَّ
يدقُّ الآنَ إيقاعُ النهايةِ
عبرَ جسرِ النهرِ
ماتَ الليلُ كي تَلِدَ الجريمة
هابيلَ ثانية على نفس السبيلْ
*
[2]
الآن تنحرفُ النوافدُ عن تأملها..
وترنو
فترى:
جناحَ الليلِ مشدوداً إلى الأوتادِ
لكنَّ النوافذ سوف تمحو
غبشَ النعاس عن الزجاجِ،
وسوف تصحو
وعلى انتظارِ الريحِ..
تحنو
*
[3]
ولأنه كَسَرَ الهواءْ
جُرِحَ الصدى
لكنَّ صوتاً
سوف يعبرُ من جدارِ الصمتِ ريحاً
سوف ينفتحُ المدى
من صخرةِ الإسراء
حين يطيرُ حلمُ الماء
من كحلِ الرثاءْ
*
[4]
الريحُ \"تشلحُ\" ثوبَها قرب القصيدةْ
وتمرّ آمنة،
ومسلمة
على حبلِ الغسيلْ
لتطوفَ حول الحلم حافية،
وحاسرةً
على ورقِ الفصولْ
والريحُ تسعى بين نافذتينِ
تمتثلان للريحِ السعيدةْ
*
[5]
سُيخاطبُ الجدرانَ صمتي
وتصيرُ أمي
أمي أريدُكِ أن تحيضي ظلَّ وهمي
هذا السبيلُ إلى البدايةِ
والنهاية فيكِ بديلَ موتي
*
[6]
مرٌّ
إذا مرَّ الهواءُ على فساتين الكلام
ماذا تكشَّفَ من حيائي
لأرى ورائي
يمشي أمامي
*
[7]
لا بدّ من قتلي
إذاً..
لا بدّ من فضِّ الرسالةْ
ليكون صمتي ظلّ صوتي
فوقَ أكتافِ الصليبْ
مُوتي إذاً
كي تفضحي سرَّي لأمي
عندما أرِدُ المغيبْ
لا بدّ من قتلي
إذاً..
موتي إذاً
قبلَ انفتاحَ الصوتِ في وجهِ العدالةْ
*
[8]
موتى.. ولو بعثوا رسائلهم إلى
الأحياء
من برجِ الغيابْ
موتى.. ولو حبلوا بأكمامِ الطيورْ
ولأنهم لم يعرفوا..
لم يذعنوا لمصيرهمْ
لكنهم موتى ارتدوا وجهَ الحضورْ
وتنفّسوا ما فاضَ فوق الروحِ
من زبدِ السرابْ
*
[9]
سطّرتُ تاريخي كما سيكونُ
لم أتزوّج الصلصالَ في بيتِ الترابِ
ولم ألدْ
لم أعترفْ
بأبوتي
لم أقترف إثماً
لكي لا أستعيدَ
خطيئتي
فأنا...
ولست سوايَ
لم أعرفْ ليَ امرأةً
وليس لقوتي في الأرض من كفء
أحدْ
*
[10]
رجمتُ مرآتي لأبرأ
منكِ..
مني..
من قناعي
وسلختُ جلدَكِ
لم يكن سوطي كلاماً حائراً قرب
الحقيقةْ
لا بدَّ من حدٍ لنا
لا بدَّ من تجليدِ لحمكِ
كي تعودي ضمن أقنيمِ الحديقةْ
لا بدّ من تطويعِ وجهي
كي أُخبئَ خلفَهُ
وَجْهَيْ صراعي
*
[11]
انتظرَ السرابُ على الأريكةِ
كي يرانا ضامئَينْ
والوقتُ مرَّ بقربِ خطوتنا
توترنا قليلاً.. أو كثيرا
والموت لم يجد الخطيئةِ بيننا
أو حولنا
وبكى أخيرا
ما زالَ ينتظرُ السرابُ على الأريكةِ
كي يرانا ضامئَينْ
*
[12]
ووَلَدْتُني خلفَ الحروبِ
رأيتُ نفسي
تقتفي نفسي
وترفو وجهَها خلف البيارقْ
خلف البيارقِ تمَّحي الأشكالُ في
الكلماتِ
كي تجتازَ محنتَها
وتنطقَ في سواها
أحببتُ إمرأةً..
قُتِلْتُ
لكي أُجدّدَ أخوتي فيها
وأُشرقَ في احتفالاتِ المعادنِ
صورةً أخرى
أُحاولُ أن أراها
كي لا يعذبني حنيني
حين أُسْلِمُ جثَتي رحمَ المحارقْ
*
[13]
سأروحُ..
قد تجدونَ وجهاً من وجوهي بينكمْ..
فلترحموني
ليس لي دينٌ وحيدْ
إلا ضميري بينكمْ..
وظلالَ روحي
من عادةِ الإنسان أن ينسى
نسيتُ سيوفَكمْ
فانسَوا جروحي
ننسى
وننسى أننا متنا
لنُحرقَ من جديدْ
*
[14]
والروحُ تلبسُهمْ قميصاً من زبدْ
وأنا همُ
حين انقسمتُ
عَرَفْتنُي..
فغفرتُ لي
ورحلتُ مثلَ قبيلةٍ
فقدتْ دلالتَها على رملِ القصيدةِ
كلما انتخبوا قناعاً
كسَّروا وجهي على الإيقاعِ
كي يجدوا بديلاً راهناً فوق المرايا
وعرفتني..
فغفرتُ لي
أأنا سوايا...؟!!
لا وجهَ لي يبقى على المرآةِ
كي يرضى الأبدْ
*
[15]
كانوا يُعِدُّونَ الجنازةَ صامتينْ
أمّا النساء فكنَّ مثل المومياءْ
للبدوِ عاداتٌ
إذا ماتَ الرجاءْ
هدموا \"سوالفَهم\"
ومرّوا صامتينْ
*
[16]
في خطبةِ النسيان قالوا:
\"جئنا نودِّعكمْ\"
فموتوا..
كي نكونَ أخفّ عبئاً
في الصعودِ إلى النهارْ
واستسلِموا لملاءةِ النسيانِ
كي ننسى هنا أسماءَكمْ
كلآلئِ القرصانِ في قاعِ البحارْ
في أوَّلِ الخطواتِ
لم يتذكروا شيئاً سوى أمواتهمْ
فبكوا..
على أقوالهمْ
بصقوا..
وبالوا..
*
[17]
رفعوا هوادجَهمْ على إبلِ القصائدِ..
واستراحوا
في نومِهم
دخلوا بلاطَ الحلمِ
لم يتذكروا أمواتَهم
حين استفاقوا
جفَّفوا ناياتهم في الفجرِ من دمعِ الرحيلْ
ومضوا على الإبلِ السريعةِ
ربما لن يكشفَ الأمواتُ وجهتَهم
على الدربِ الطويلْ
ربما يصلونَ قبل الوقتِ
كي يجدوا المراعي
ربما لم يقتلوا أمواتَهم
قد يرجعونَ مع الربابةِ
هكذا عبرتْ قوافلُهم
مَرُّوا.. وراحوا
*
[18]
.. لو تعيدُ الريحُ رحلتَها
لما وقفوا حيارى
بدءوا الصعودَ ممزقينْ
ثِقَلُ الدموعِ تشدّهم،
والنخلُ قامَ ليرفعَ الآذانَ
أيهما الحنينْ..؟!!
حلموا هناكَ.. تذكروا..
نقعوا الزهورَ بدمعِهم
ومضوا سكارى
*
[19]
رفعوا بيارقَهم على تلّ الصدى
ربطوا إلى الأوتادِ حيرتَهمْ بخيطانِ
اليقينْ
واستسلموا للريحِ
طاروا كالفراش
وكانوا واثقينْ
من أنهم سيرونَ خاتمة المدى
*
[20]
الريحُ نفس الريحِ
تأخذهم على إبلِ الغبارْ
لبستْ قصائدُهم لغاتَ الخيش فوق
حريرِها
وحَدَتْ على ظهرِ السحابْ
لن تستريحَ الريحُ
قبل هبوطها درجَ السرابْ
لن ينزلوا من غيمهم إلاّ على أرض
النهارْ
*
[21]
تركوا بقايا \"الميجنا\"
حول الرمادِ تدلُّ: مرّوا في الزمانْ
وتصادقوا مع دمعهمْ عند الغروبِ
ليبلغوا معنى المكانْ
تركوا بقايا الكستنا
كانوا هنا
كانوا هنا
*
[22]
مرَّ الشراعُ على غيومِ الموجِ في تموزَ
كانوا يذهبونَ
إلى تخومِ النبضِ
كانوا يضعفونْ
خَفَقَتْ أيائلُهمْ وراءَ الماء
قد صدَقَ السرابْ
وهناك أذعنَ للحقيقةِ
بين أوهامِ الضبابْ
تركوا هنا أمواتَهم،
وتشرَّقوا
ذهبوا كما لو أنّهم عادوا
إلى أنثى الحنينْ
*
[23]
في آخر الخطواتِ كانوا ينظرونْ:
أسماءَ موتاهمْ معلقة على شجر النجومْ
:أكفانكمْ صغرتْ.. ولم ننسى
سننساكم لتمطرَنا الغيومْ
قالوا
وكان الوقت يبرقُ فوق يابسة الظنونْ
*
[24]
كتبوا وصاياهم على الكثبانِ
خافوا أن يضيعوا في الطريقِ إلى
السرابْ
وصلوا أخيراً
ربما إلى نهرٍ سينْزِلهم إلى ملحِ البحارْ
ولربما يتطايرونْ مع البخارْ
ولربما صاروا هنالكَ
-ما يعذبهم هنا -
وهم الضبابْ
*
[25]
لم يذكروا أسماءَ موتاهم هنا
لم ينقشوا بالناي سيرتَهم على درجِ
الضلوعْ
لا ماءَ كي يبكوا على الأمواتِ
فانتبذوا شعاباً تقتفي النسيانَ
لم يتذكروا إلا مكابدةَ الصعودْ
صعدوا على أضلاعِهم
وتجاوزوا سُبَخَ السدودْ
لم ينصتوا للملحِ
كي يتصاعدَ السلمونُ في دِمهم
إلى قلبِ الدموعْ