سيرة حيبر
ـ مدخل
خَلَعَ الأبيضُ قمصانَ التوتِ
على ملأ الألوانِ القزحيَّةِ
مرّ فَراشٌ مزدرياً عُريَ الأبيضِ
مرَّ ... وعادَ بخيلاء..
دارَ .. وعادَ مديحاً..
ليُغسِّلَ ألواناً عابرةً بدموعِ الأبيضِ
ماتَ وصارَ حليباً
في ضرعِ الأبيضْ
ـ سِفْر العماء
كانت هادئةً تطفو فوق الصمتِ سباتاً
كغناءِ العزلةِ
في مقبرةِ الأمواجِ
وكانت تحملُ بركاناً محتملاً
بينَ يديها
ـ سفر التكوين
في اليومِ الأوّلِ
فضَّ الضوءُ حجابَ الماءِ الأعمى
فوق سرير الشاطئِ
في اليومِ السادسِ
باضَ الماءُ على الموشورِ الأبيض بيضاً
كُسِرَتْ إحداها
كانت شمساً .. وهيولى
والباقي فقَّسَ نسلاً......
وانسلَّ يسبِّحُ باسمِ الضوءِ
يُرتِّلُ فوق البرِّ مزاميرَ الأمواجِ
يُعمِّرُ لغةَ الوقتِ
يزركشُ قمصاناً للماءِ
\"يجغرفُ\" فوق الأرضِ أقاليمَ الغفلةِ
أسَّسَ مملكةً للأسماءْ
ـ سفر الخطيئة
وزنى موجُ البحرِ بصلصالِ البريَّةِ
فانتبذت باديةً
وعلى الرملِ الميتِ أطلقَ \"حيبر\"
صرختهُ الأولى
وتفتَّحَ في أشكالٍ شتَّى
أسَّسَ مملكةً للأزهارْ
ـ سفر الأيام
قبلَ قليلٍ
هبطَ الكحليّ على درجِ الفجرِ الأوَّلِ
والآن الطينُ يشيِّءُ من أسماءِ الموجِ الحسنى
وجهاً لمديحِ اللؤلؤِ
والغابةُ ترضعُ كحلَ الغيمِ حليباً
ثم تهشُّهُ في الصحراءِ
لتُدخلَ قطعانَ الزيتونِ فترعى قرب الوادي
بضروعٍ يقطرُ منها الزيتُ على الزعترْ
والريحُ ترتِّلُ سورةَ حيبرْ
والضوءُ يمادحُ مرآةَ الزنبقِ
أما أشجارِ الكينا
قد ركضتْ .. صعدتْ .. وقفتْ فوق المنبرْ:
يا حيبرْ
إن لاقاكَ الموتُ على أرصفةِ الريحِ
وحيّاكَ
فحيّيهِ بأحسن منها
وادخُلْ فيه سلاماً
واذهبْ نحو الأبيضِ
في مركبةِ الأصفرْ
ـ سفر القوّة
: من يجرؤ أن يأسرَ خيلَ الريحِ
ومن يجرؤ أن يَصلبَ روحَ الماءِ
وأن يلعقَ وجهَ النضرةِ
كلُّ امرأةٍ سمعتْ ألواني
نظرتْ صوتي
فتشهتني
رُجِمَتْ بكراتِ الضوءِ
وماتت في المرآةْ
ـ سفر الموت
ورأى النهرُ البحرَ
على مرمى الأنفاسِ ..
تمهَّلَ
سارَ وئيداً قرب الشاطئِ
أما حيبرْ:
هل أدخلُ في أيلولَ وراءَ ظلالي شبحاً
هل أدخلُ خلفَ صدايَ صراخاً مخنوقاً
ومشى مُصْفَرَّاً
يتعكزُ في أيلولَ..
مشى ..
حيبرُ ماتْ
حيبرُ ماتْ
وبكى الياقوتُ على صدرِ المخملِ
سالَ المسكُ على العنبرْ
أما الدمُ شقَّ الدمعَ
ومزَّقَ ثوبَ الليلِ
ولطَّخَ وجهَ المرآةْ
ـ نهاية اليوم السابع
وخلفَ غرابٍ
حَمَلَتْ كلُّ الألوانِ إلى البريَّةِ
جثَّةَ حيبرْ
وهناكَ أقامت ريحُ الدمعِ صلاةً
ثم أعادتهُ إلى رحمِ الأرضِ شهيداً:
يا حيبرْ
ها قد متَّ
سيأتيكَ الأبيضُ
فاشهدْ بالماءْ
بامرأةٍ من زبدٍ خضراءَ..
وعذراءْ
لم تمسسها قطّ يداكْ
حاولتَ كثيراً
فاحتضنتكَ يداكْ
وبكتْ أنثى الألوانِ
وصارَ الدمعُ حليباً
ثمَّ انتحرتْ في الأبيضِ
قدَّام الموشورِ
وجاءَ الليلُ يردِّدُ خطبةَ حيبر:
كلُ امرأةٍ سمعتْ ألواني
نظرتْ صوتي
فتشهتني
رُجِمَتْ بكراتِ الضوءِ