أشعلتِ الأنثى إيقاعَ الزئبقِ
في أنساغِ الليلِ
ووضأتِ الأثداءَ
بضوءٍ يتساقطُ من قمرٍ مسكونٍِ
بالدهشةِ
واجتازتْ أعتابَ الناسوتِ
لتنثرَ فسفورَ الشهوةِ
خرمشتِ الليلَ
فسالَ حليبُ العزلةِ
ثم استرختْ
تحت فوانيسِ الهذيانْ
لو كنتُ بلا أمي
لقليتُ الليلَ بزبدةِ رغبتنا
يا أمي
أعليتِ الحصنَ
ولكنْ
دقَّ الضوءُ على ظلِ الحيطانْ
يا أمي
ما من وردٍ يعبثُ في خارطةِ الموتِ
وما من قلبٍ حنَّطَ فسفورَ الحبِ
تساوقتُ مع المرآةِ
ومع نرجستي الحبلى
كم ولدتْ ظلي
بعد مخاضٍ في وجهِ الأخرَ
حين تمرأتْ
فرأْتْ وجهَ النسيانْ
أوحيتُ لموجةِ روحي
أن صيري حجراً
حين أعمِّرُ لغةَ الموتى
أوحيتُ لخاتمتي
أن دُسّي حفنةَ ملحٍ
في جرحِ الزنبقِ
كي يتوضَّأَ فوق صليبِ المحنةِ
من توراةِ الأمواجِ
وأوحيتُ لوِرقاءِ اللغةِ الأولى
أن حطي في علّيقِ التيهِ
على شجرٍ أرهقَه الترتيلُ
لسيدةِ الحرمانْ
ثمَّةَ موت في الموتِ
يعيدُ عظامَ النسيانِ إلى باحاتِ
المرآةِ
وثمَّةَ من يخترعُ الريحَ
ليُدخلَ ميراثَ النسيانِ
إلى فسحاتِ الضوءِ
ويعرفُ كيف يدجِّنُ ظبيَ
المعرفةِ الأولى
كي يحلبَ مسكَ المعنى في عيدِ
الغفرانْ
أسفي
أني لم أتركْ ما عزَ رغباتي في
الدغلِ
تجوبُ لحاءَ الدهشةِ
يا قلبي
زبداً من خاصرت..
فشاطئْ أفكاري
كي يتفاوضَ وهمُكَ مع إِمرأةِ
الحرمانْ
أسفي
أني كنتُ الأوحدَ في محكمةِ
الذكرى
كي أشهدَ
أني مِتُّ مراراً
حتى كفكفتُ دموعَ الله بُعيدَ
الطوفانْ
أسفي
أني اجتزتُ حياتي
جسراً بين فراغينِ
تأملتُ كميتٍ
موتَ الأزمانْ
ونظرتُ إلى المرآةِ
صرختُ:
أأنتَ سوايا
أسفي
لم أعرفْ كيف أموتُ بلا
أسفٍ
ماتَ أبي في الصمتِ
فكيفَ سأَدخلُ تجربةَ الموتِ
بدون وصايا
كانَ من الممكنِ
أن يتكثَّف زيتُ الأبديةِ
في قنديلِ هنيهات العزلةِ
أن تخبزَ أطيافَ الأزمانِ
فطيراً في عيدِ الآنْ
كانَ من الممكنِ
أن أتبوَّغَ في ملحِ العزلةِ
أن أتوالدَ في طينِ الرغبةِ
أن أتنسَّخَ في ماءِ القمصانْ
لكن الأفعى سرقتْ لغزَ الممكنِ..
والإمكانْ
أبتِ
وجعي تابوتٌ يسعُ الأرضَ
فدعْ عظمي لكلابِ الزمنِ
الآخرَ
كي أتمعدنَ في مأدبةِ النرجسِ
كي أتنسَّخَ في مرآةِ النسيانْ