من أين يكتئبُ الفؤادُ,
وكلّ أبوابِ الصباحِ,
تنوءُ بالأثقال هاجِعةً,
فلا تصحو ولا تتحرَّكُ..!!؟
من أين معسولُ القصيدةِ,
يرتدي قُدّاسَها الباكي
ويَلْهَثُ في دهاليز الحروفِ
ونارِها
ويهيمُ في أسرارها,
ويظلُّ مصلوباً على أسوارها,
ويغيبُ في بَيْدائها المُتصَعلِكُ..!!؟.
من أين بَيْرَقُ حُلمِه,
سيظلُّ مطروحاً على طُرُقاتِه,
ويظلُّ فوق جَبينِه,
يَلِدُ الحنينَ من الدُّجى,
حتّى يُراقُ على سُراه النَّيْزَكُ..!!؟
من أين يكتئبُ الفؤادُ,
وهل تُراه عند أجفان الليالي,
يستريحُ المُنْهَكُ..!!؟
أم ينهضُ الغَلَيانُ في أعصابه,
ويَشُدُّ أشرِعة الأماني,
قبل أن تُطوى على موج الحنينِ,
وتَهلِكُ..!!؟
هل في ضَريحٍ مُغلَقٍ يَتَنَسَّكُ..
يحبو على أنّاته,
ويمُدُّ في الظَّلماء حَيْرَتَه,
فيُطْمَسُ دونه الضوءُ المُندَّى
والصبا
والمَسْلَكُ..!!؟
أم أنه في يَأسه,
أو ضَعفِه يَتَمَسَّكُ..
يستلهِمُ الآفاقَ رَوْنَقَها,
ويجري مثل ماءِ النهرِ..
يجري في رميم الوقتِ مُتَّئداً,
وينتظرُ القيامة كي تقومْ..!!؟
أم أنه في كوخ وَحْدَتِه,
يَطيبُ له السكونُ,
فيَستَقيمْ,
مُتَناوِماً,
يقتادُه وَهْجُ القصيدةِ,
نحو عالمِها المُصَفَّدِ
بالجحيم أو النَّعيمْ...!!؟.
*******
كم مرَّ من زمنٍ على عتباته..
كم وَحْشَةٍ رقدت على قَسَماته.
لا بابَ يُطرَقُ
عن أنيسٍ قادمٍ،
حتى يعانِقُه،
ويقرأُ من كتاب الشوقِ آياتٍ،
يُفَسّرُها تَلَعْثُمُه السَّقيمْ.
لا رنَّةٌ من هاتفٍ،
تَلِدُ الشَّذى النائي،
فتشَْخَصُ عند إلْفَتِها العيونُ،
وما تُخَبِّئُ من همومْ.
فلَعَلّ صوتاً،
قد تكَرَّمَ أن يُسائلُه
عن الأحوالِ...
يُنقِذَه،
كما يتَخَيَّلُ الغافي،
من الأشباح والأوهامِ...
ينقِذَهُ،
ويحملَه إلى وَقْع الحياةِ
بكلّ رَوْنَقِها ونَكْهَتِها،
ويحمِلَه إلى ما ضاع من عَبَق النجومْ.
لا شيءَ من هذا وذاك،
الآن تَجْنَحُ روُحُه للصبر،
ترنو نحو فاكهةِ العُقولِ،
يمُدُّ لَهْفَتَه،
ويقرأُ صفحتينِ،
ويُغمِضُ العينينِ عن شَجَنٍ،
ويَمضي خَطْوَتينِ،
يعودُ بعدهما إلى فنجان قهوتِهِ،
يحاولُ عبر طعْمِ الهالِ،
أن يَمضي إلى كوْنٍ،
يُرَصِّعُه بياض الياسمينِ،
ويَعْتَلي سَفَرَ المَجَرَّةِ،
والمَجَرَّةُ بَيْرَقٌ،
رَفَدَ الشذى بالنور،
فانتثَرَت من الطعْمِ المبارَكِ هالةٌ،
لَكأَنَّ طَيْفَ حُضورِها ذَهَبٌ،
ومِئْزَره سديمْ،
رَهَجَت قليلاً قرب دَهَشَتِه،
ودَهْشَتُه الأليفةُ،
تستحيلُ إلى جنائنَ من همومْ،
وقُطوفُها من داليات الشَعْرِ
دانيَةٌ،
تَوَرَّدَ، من لَدُونَةِ شَهْدِها،
ثَغْرٌ أَرَقُّ من النسيمْ.
ولقد تَخَيَّرَ،
أن تَرِفَ ظِلالَه النَشْوى،
وأن يرسو أمام مَقامِه الحاني،
وأنْ يَهِبَ ابْتِسامَتَه الرَّضِيَّةَ
للذي قد غاصَ
في أيْقونَة الذِكْرى،
لعل أنينَهُ النامي على قصبٍ،
يُصَنِّعُ من حُطام الأمسِ قَوْساً...
من رماد النارِ مَلْحَمَةً
وأمجاداً تدومْ،
ومن السراب.. فَرارِه الأبَديِّ،
رَفّاً من غُيومْ.
تَعَبٌ على تَعَبٍ يَفيضُ،
وصمتُه نهرٌ تَدَفَّقَ.
هل يُشاهدُ زورقاً،
يجري على مَوْجِ الحنينِ،
ويتّقي أوْزارَ غُربتِه،
بقُبلَة عاشقٍ حَرّى
على وَجَع الأديمْ،
ويَروحُ يَسنُدُ رأسَهُ زمناً
على حجِرٍ كريمْ..!!؟.