ما جئت لأنشد فيكِ
قصيدةَ عشقٍ عذراءْ
ما جئت أقصُّ عليكِ رؤايَ،
ولا لأساقي ظمأ الروحِ..
بحفنة ماءْ
ما جئت لأسأل ما صنعت
بدياركِ عاصفةٌ عمياءُ،
وهل تُخصبُ ـ في زمن القحطِ ـ الصحراءْ
وتضيء مآذنُها ليلَ الإلحادْ؟
ما جئت أفتّشُ عن طَلَلٍ أبكيهِ،
وأشكو ما فعلت بالقلبِ..
غداةَ البَيْنِ، سعاد
لكني جئت لأشهدَ معجزة التكوينِ
الأوّلِ في عينيكِ،
وأقطفَ من كفيّكِ
ورود الغضب الساطع يا بغدادْ!
* * *
بغدادْ!
يا امرأةً تتزنَّرُ بالأقمارِ،
فلا تدرك قامتَها النارُ،
ولا تبلغ أسرار مفاتنها الأشعارْ
يا الأبهى من فردوس الحلمِ،
ويا الأعلى من كلّ نهارْ
يا أبَد الصحو..
ويا أمَداً يتفتّح ـ حين تضيقُ الرؤيا ـ
عن آمادْ
ماذا سأرتّل فيكِ؟
وأنت تراتيلُ الميلادِ،
وماذا أنشد في عينيكِ؟
وأنت نشيدُ الإنشادْ!
سَبَّحْتُ بحمدك فالتفتت
آلهةُ الضوءِ إليَّ،
وأخفت سوءتها الأحزابُ،
وقالت آمنّا الأعرابْ
هذا ما وَعَد الرحمنُ،
وكان الوعد صباحاً يتنفَّسُ كالوردةِ
بالأنداء وبالأطيابْ
من هذي الطالعةُ الآنَ؟
ملاكاً يتأَلَّقُ بالسحرِ،
يداها زنبقتانِ تَخَضَّبَتا بمياه الفجر،
وعيناها شمسانِ تجوبان الأَكوانَ
وتجترحان الأبعادْ
وعلى جبهتها تتوهّج كل نجوم الصيف،
وتأتلفُ الأضدادْ
بغدادْ
أعرف ـ يا سيّدةَ الرفعةِ ـ
كم حوصرتِ.. وكم جُوَّعْتِ..
فما أذعنتِ لوجه البغيِ
ولا أسْلسْتِ لباغٍ في الزمن الهمجيّ
قيادْ
بغدادْ
ها أنذا آتيكِ
على قدميَّ غبارُ الدربِ،
وفوق جراحي ينمو العشبْ
وعلى كفيّ دمي الناريُّ
كأنَّ زنابقه كالشهبْ
ها أنذا آتيكِ
فهزّي ـ آهِ ـ بجذع القلبِ إليكِ
يساقِطُ بين يديك لآلئَ
من عشقٍ مكنونْ
قولي للفرح الغائرِ
في الزمن العاثرِ: \"كن\" فيكونْ
تشهقك الأمطارُ،
تؤذّنك الأنهارُ،
ويصحو ألفُ نهارٍ بعد رقادْ
بغدادُ.. لعمركِ ما غيّر نهرٌ مجراهُ،
ولا ضاقتْ ببنيها فوق الأرضِ بلادْ
لكن الروح تضيقُ إذا ما انطفأتْ
خلف نوافذها الأقمارُ،
وعرَّشَ فوق بياض الحلم سوادْ
بغدادْ
لا أقسم بالليل ولا بالخيل..
ولا بسيوفٍ أبلتْ جِدَّتَها الأغمادْ
لا أقسم بالصمت العربيِّ
ولا بإداناتِ العربِ
لا أقسم بالذئبِ.. ولا بالجبِّ..
ولا بقميصٍ مصبوغٍ بِدمٍ كَذِبِ
هذا زمنُ الشدّة،
فاشتدّي كالريحِ، وكالطودِ انتصبي
تنكفئ النارُ،
تطأطئ هامتها الأقدارْ،
وتنحطم الأصفادْ
بغدادْ
أقسم بالنخلِ وبالنهرينِ..
وبالنزف الأكبر من كلّ ضمادْ
بالجوعِ ـ يميناً ـ بالأوجاعِ
وبالصبحِ الناهضِ من حمأٍ مسنونٍ ورمادْ
أن منك سينبثق الفرحُ المرصودُ
ومنك ستنبجس الأعيادْ.
(1) القصيدة التي ألقاها الشاعر في مهرجان المربد الشعري الثامن عشر في العراق من 14 ـ 20/12/2002م. |