فتى وجهه من ندى
وعيناه من خضرة اللازوردِ
الشهيد على غابةٍ..
من أقاحْ
فتى قام هذا الصباحْ
تنشّق أنسام زيتونةٍ..
في روابي الجليلِ
وحثّ خطاهُ..
يغادر صفّ المعزّين
في بيته العربيِّ
تمنطق بالياسمين وبالموتِ
ما كان متّسعٌ من زمانٍ
ليشرب قهوتهُ
تحت قصف السلاحْ
مشى في جنازة إخوتِه
الذاهبين إلى صمتهم عزّلاً
وانتضى موته
ثم راحْ
***
يطلّ على زهو مرج ابن عامر صيفٌ
مخالبه من صفيحْ
وفوق بيوت المخيّم
تنهمر الآن زخّة موتٍ
ترنّم أنشودة \"اليديش\" المضمحلّةِ
من ألف دهرٍ
تذرّ قرون خراتيتِ
هذا الزمان القبيحْ
فتى سار يمشي الهوينى
رأى ساحة من غبارْ
وآلة هدمٍ
تعالج بيتاً صغيراً
على شُرفةِ الانهيارْ
تبسّم..
كانت فلسطين نذراً من الدمّ
يفتح باب النهارْ
أطلّ على أورْشليم مع النجم
كانت قباب المساجد ساهرةً
لا تزال ترتّل.. ساهمة
من قصار السورْ
وبعضُ جنود صغار تراموا
من الأمسِ..
مثل ملائكة يحرسون الضجْر
رأى عاشقين يعودان من رحلةٍ
في أعالي السهرْ
يحطّ على يده قمرٌ
ومن ثغرها قد تهاوى قمرْ
تَضوّع من خطواتهما
زهرُ ليل بهيجٍ
وفوحٌ رجيم من القبلاتْ
تذكّر ..
أنّ القذيفة إذ سقطتْ
فوق صفٍّ قديمٍ
تهاوى على وجهه
نتفٌ من دم الأصدقاء
وفي أصص الزهر
عند النوافذ..
حالاً تكسّرتِ الأمنياتْ
رأى من أحبّ شذاها
يسحّ على فمها القرمزيّ
قليل من الموت والذكرياتْ!
أتذكر..؟
ـ قالت له امرأةٌ..
في الطريق إلى القدس ـ
كانت تعلّق فوق يديها
وفي صدرها صور الشهداءْ
وتتلو على مسمعيه صلاةْ
\"تظنّ تعود فلسطين؟!\"
.. هل عرفتْ أنّه قادمٌ من دمٍ
ذاهبٌ في دمٍ
صائرٌ حنطة ونباتْ؟!
\"هل تظنّ تعود..؟\"
رأى الشمس
قد كشطتْ عن أساورها
زبدَ البحر..
راحت تضيء البلاد الحزينة
درباً لآلامها
صاعداً دونما جلجلة
هل أفاق الجنودُ
الذين قضوا ليلهم ساهرينَ
مخافة أن يتفجّر ظلّ الهواء
على فوّهات كروم الخليلِ
وأن يصبح الآن
هذا الندى قنبلة؟
فحثّ خطاهُ
يغنّي نشيداً تعلّمه منذ سبع سنينَ
عن الحبّة المستباحة تحت الدماءِ
لتنبت سبع سنابلَ
في كلّ سنبلة مقصلة!
وراح يحيّي الصغارَ
يمرّون في هالة من صخبْ
ويقطف من زهر سور الحديقة
ريحانتين..
يضمّهما مثلما
تلثم الأم قلب فتاها..
يعود إليها شهيداً
يساقط بين يديها التعبْ!
لكمْ خاف حين رأى امرأة
أومأتْ نحوه بذراعين
من فضّة وانتظارٍ
على هدب باخضرار العنبْ
تمنّى لو أنّ الجنود الذين تخطّاهُم
يرحلونَ..!
وأن البلاد تعود إلى أهلها!
ويسمعهم يهتفون:
سنرحل..
لا بدّ أن نرحل الآنَ
هذي فلسطينُ أرضُ العربْ!
لو انَّ له ما اشتهى
لحلّ عن الخصر هذا الدمارَ
تزنّر بالأقحوانِ
وعاد إلى حلْمه المرتقبْ
تذكّرَ:
كلُّ زهور فلسطينَ حمراءُ
أعلامُها خضرةٌ ونجيعْ
وأطفالُها
من صهيل اللهبْ
تلاشتْ زهور فلسطين
في كلّ يوم ضحايا!
وغزّةُ..
صارت تحوك بيارقها من دمٍ
ثم تحلم:
أنْ تستحيلَ بنادقَ..
كلُّ حقول القصبْ
فتىً
سار يمشي الهوينى
تداعبه شمس هذا النهارِ
فتغرس في ظهره
حزمةً من حطبْ
أيا نارُ
كوني سلاماً وبرداً
ويا نار كوني قرنفلْ
وهاتي محفّتكِ الذهبيةَ
كي يستريح الجسدْ
فعمّا قريب سيذبُلْ
وعمّا قريبٍ سيأفلْ
.......
تبسّمَ..
حثّ خطاهُ
يضمّ إلى قلبهِ
كوكباً من دموعِ
يضئ له ليله للأبدْ
تلا سورة الحمْد خمساً
ويمم شطر المدينةِ
منتعلاً ظلَّهُ
خائفاً أن تَنُمَّ عن الوجه سمرتهُ
أو يراه أحدْ
تبسّم حين تراءى له
الجنرال \"العظيم\"
يعيد حساباتهِ
ثم يجمع أركانه اللامعينَ
ليشرب نخب دمٍ
من جديدٍ
ويغفو على حلُمٍ من مسدْ
\"سأشعل حرباً..!
أنا الجنرال العظيم
سأحرق هذا البلدْ!\"
.........
فتىً وجهه من ندى
وعيناه..
من سحر هذا المدى
يشدّ على وسطهِ
ما يشاء الإله الصمدْ
تبسّم
ثم استعاذ
وبسملَ
ثمّ تذكّر بغدادَ...
والقدسَ
ثمّ..
انفردْ!