تبرقَعَ وجهُ السنا بالضبابِ
فأنساكَ أن المسافة بين ثوانيكَ
دربٌ
تَمثَّل آن انتمائكَ
وارتدَّ عن شرفة اللمحِ
يوقظ فيك تباريح وجدكَ
مذ أنتَ ألَّفتَ بالحب قلبكَ
ثم انكفأتَ إلى الغيبِ
تبحث عن رملة في صحارى الضفافِ
ودونكَ من كلِّ صقع دليلٌ
إليكَ يعيد الذي كان منكَ
وعنكَ يباعد ما كان فيكَ
وإن أثقلتكَ نجود السِّفارِ
فهل أنتَ ماضٍ إلى الغد وحدكَ
تدرك أنكَ ما كنتَ دونكَ
لكنَّ دونكَ أمصار سعفٍ
تهزّ إليكَ بجذع الرحيلِ
فتنأى إلى واحة السؤْلِ
تدرك فيها الذي كان بَعدكَ
يعلن أن المسار إلى الأمسِ
أضحى غداةً
وأن الغداة إلى الحلمِ
ما عاد فيها
سوى لحظة ما تجلَّتْ
وكانت قبيل انهمار الظلامِ
نِثاراً
لوهْمِ التشبُّثِ بالعمرِ
لكنَّ قيظ المسارِ
تحامل في صحبة الدربِ
حتى توكّأ عكازة الرحلِ
وانصاع يحمل في روحهِ الموتَ
إثر انفتاح الربيعِ
على حافَةٍ من نزيف الخميلِ
تُوائِمُ
بين النضارِ
وبين البوارِ
لتوقظ ما كان أغفى
على سكَرات النداءِ
وعاد إليكَ
يسائلك السيرَ إثر خطاهُ
لعلكَ تدرك ما ليس يُدرَكُ
تعرف أن المآبَ
إذا كان جسرَ الغيابِ
فإن الغيابَ
طريقُ المآبِ
وما غيرَ سانحةٍ من رفيف الفؤادِ
وتبلغ ما أنتَ ساع إليهِ
بعكس اتجاه الرياحِ
فإن أرهقتك النوازعُ
أدركتَ أنكَ أنت المسافرُ غبَّ الزحامِ
ومهما استجرتَ بأهداب وهجكَ
لابدّ تبصر ما ليس تبصرُ
إما انتميتَ
وإما احتميتَ
بأستار غيبكَ
فاخشع على نضرة الرملِ
واصدع على خضرة المحلِ
فالخصب والمحل أنتَ
إذا أنت أبصرتَ في التربِ
ذاتكَ
ثم انتسبتَ
فكنت الترابَ
وكنت سليل الترابِ
وكنت نزيل الترابِ
فكيف تحاصر ذاتكَ
بالأمنياتِ
وفي الأمنياتِ
سكونكَ حيث السكونُ
ومثواك حيث تكونُ
فإمّا بُعِثْتَ
وبُعثِرَ ما في القبورِ
وحُصّلَ ما في الصدورِ
تسللتَ من برزخ السرّ
تحسب أنك أُسكنتَ فيهِ
وغادرته ساعةً من نهارٍ
وعدت..
كأنك خبَّأتَ كلَّ الثواني
وأعلنتَها حين أُعلنَ في الصّورِ
أن الذين عليها
وفيها
تنادوا إلى الحشر يوم التنادي
يقولونَ:
هل للوصولِ إلى ما نشاء سبيلْ؟
وها أنتَ..
ها برقع الغيث يهمي عليكَ
وأنت تَحارُ
تقول:
ـ أتيتُ
فلا تبصر الدرب إلا سرابا
تقول:
ـ نأيتُ
فلا تدرك الخصب إلا يبابا
فتوغل في البعدِ
تسعى غريباً
كأنك دونكَ
لا أنت تمضي
ولا أنتَ ترجعُ
عيناك أفقٌ
وروحك برقٌ
وما أنت إلا غبارٌ
يبعثرك العصفُ
إن شئت تعبرُ
درب الوصولِ
وما أنت إلا غريبٌ
يجيء وحيداً
ويمضي وحيداً
تخلَّقَ من مُضغةِ الخلقِ
ما بين (كافٍ ونونٍ)
له ما يريدُ
وليس له ما يريدُ
إذا شاء ما كانَ
أو شاء ما لا يكونُ
فما الدهر إلا متاعٌ
وأيامنا في مداهُ
غثاءٌ
وأعمارنا
ما ارتدته السنونَ
فأبلتهُ
هذي السنونْ.