وَحْدَهُ الشَّاعرُ مَنْ يصغي
إلى البذرةِ والتربةِ والقطرةِ؛
مَنْ يصغي إلى الأنثى أو الطفلِ؛
ومَنْ يصغي إلى الفطرةِ والينبوعِ والرّيحِ...
فمنْ يصغي سِوَاهْ؟
***
وَحْدَهُ الشَّاعرُ يصغي بانْتباهْ!
وإذا ما امْتلكتْ أجنحةٌ أولى قواهْ
ربّما يفعلُ ما يحلو لَهُ، أو يلعبُ...
ربّما يكتبُ ما لا يُكْتَبُ...
ربّما يظهرُ، أو يحتجبُ!
وَهْوَ في منطقةِ المتْعةِ والنغْمةِ والحكمةِ
يخطو كائناً مختلفاً، حرّاً...
ويختارُ رؤاهْ!
***
وَحْدَهُ الشّاعرُ مَنْ يستيقظُ الكَوْنَ
على صوتِ دليلٍ أو ملاكٍ أو إلهْ...
وَحْدَهُ يكتنهُ الأحفادَ في الأسلافِ،
أو يبصرُ في الجسمِ الذي يفسدُ روحا...
وإذا ما اْختبر الحمَّى يعاني غربتينِ؛
اْضْطربتِ إحْدَاهما من داخلٍ،
والغربةُ الأخرى طَغَتْ من خارجٍ،
والنصُّ في قلبهِ،
في عينيهِ، أو بين يديهْ...
كلّما اْزداد غموضاً سوفَ يزدادُ وضوحاً!
فمتى يُوحَى إليهْ؟
***
وَحْدَهُ الشّاعر من يصغي إلى الفِكْرةِ،
أو يصغي إلى كلِّ اْتجاهْ...
والصراعاتُ التي تَشغلهُ ليستْ مباراةً،
فهل كانتْ فتوحا؟
وعلى الأرضِ التي لم تغتسلْ من دمها
يُعْنى بخَلْقٍ... ثمّ يستدعي كنوزَهْ
من عصافيرَ وأحجارٍ، ومن أرصفةٍ، من مطرٍ،
يعنى بأحوالِ مجازٍ واْستعارهْ!
ويسمِّي كائناتْ،
ويسمِّي أدواتْ،
ويرى فيها رموزَهْ...
هي سُكْنى في العبارهْ!
هي سكنى اْلاحتمالْ!
والإجاباتُ التي ترسمُهَا،
دفترُهَا يُطْوَى، فتطوي حُلُمَهْ
بينما يبحثُ فيها عن سؤالْ!
***
مادّةُ إيقاعهُ أم كَلِمَهْ؟
لغةٌ أم جَسَدُ؟
مَذْهبٌ لعبتُهُ أمْ زَبَدُ؟
والتفاعيلُ التي يُطْلِقُ فيها
من سكونٍ حركَهْ
ربّما تضمرُهَا تجربةٌ مُفْرَدَةٌ، مُشْتَركَهْ...
وإليها ينتمي سِحْرُ بيانْ
ربّما لن يدركَهْ!
وإلى شكلٍ تَهَاوى واقعٌ؛
زؤياه مهما اْتّسعتْ، ضاقتْ،
به تتّحدُ!
***
وإذاً، أيّةُ دَعْوَى كُيِّفتْ،
يُكْتَمُ فيها دافعٌ،
أو تحتمي فيها جريمهْ!
وهل الشّعرُ، إذا ضاقتْ به الدنيا، رهانْ
في مكانٍ وزمانْ
حُضِّرا للقتلِ، إِذْ سادتْ قوى شرٍّ قديمهْ
وأشاعتْ نثرّهَا، أو سرَّها، أو سفْرَهَا،
واْنتصرت فيها هزيمهْ!
***
وَحْدَهُ الشّاعر مَنْ يصغي إلى العالمِ...
والعالمُ مشروعُ فضاءْ!
حجرٌ آخرُ، شمسُ اْمرأةٍ لم تكتملْ،
فَحْلٌ من الماءِ، وأفواجُ من الزيتونِ والتينِ...
ومن موسوعةِ الصّلصال والطّينِ دماءْ!
وكوى من فرحِ الحبرِ،
لقاحٌ ضاعفتْهُ تربةٌ أولى... فصولٌ من هواءْ...
عتباتٌ من غمامٍ،
ويماماتُ ضياءٍ وعراءْ...
وطفولاتٌ... أموماتٌ... أنوثاتٌ... إلخ!
والحبُّ يعني الذّاتَ والموضوعَ...
والينبوعُ معنى كلَّ ماءْ!
***
وَحْدَهُ الشَّاعرُ مَنْ يصغي
إلى صمتِ رجالٍ ونساءْ...
ويرى في ضجّةِ الأرجلِ والأيدي شفافيَّاتِها،
ثمّ يرى ما لا يراهْ!
والنَّدى بين ثديٍّ وجباهٍ وعيونٍ وشفاهْ
جملُ سحريّةٌ أم صَنْعةٌ مرئيّةٌ ينفخُ فيها،
وكأنَّ الرّوحَ تعني صوتَهُ، تعني صداهْ!
وعلى الأرضِ تسوّي وارِثيها...
***
وَحْدَهُ الشَّاعرُ تعنيهِ الحياهْ!
حجرُ الشِّعرِ بهِ يبني،
ولا يهدمُ إلاّ ما بَنَاهْ!
والجماليّاتُ جزءٌ من هتافٍ داخليٍّ أم صلاهْ...
***
وَحْدَكَ الشَّاعرُ، فاْقرأ، واْكتشفْ!
من واقعٍ كان متاهْ
بهداهُ، وغناهُ، وغواهْ...
من متاهٍ سلطةٌ؛ من سلطةٍ فوضى،
ومن فوضى نظامْ...
ربّما تُدْفَنُ فيهِ جمهراتْ...
ربّما تُسْجَنُ فيهِ حنجراتْ...
***
وَحْدَكَ الشّاعر، فاْكتبْ، واْختلفْ!
إنّ روحَ الشّعر ضدُّ!
وَهْي لا تُرْضِي بطولاتِ دعاةٍ وطغاةْ
بينما ترْثي، وتَهْجُو...
وَهْي تحيا دائماً في خطرٍ، أو تَسْتَعِدُّ!
لِمَ لا تقبلُ بالموتِ، وتنجو؟
ومتى تصفو، وتغفو، وتنامْ؟
***
وَحْدَكَ الشّاعرُ...
فاْصمتْ!
واْنتبهْ!
لم يبقَ وقتٌ للكلامْ! |