سقط الشراعُ
وأرهق الموجُ المهاجرُ في المساء منارةً
فبكى جناحٌ في الدجى
وشدا جناحْ
ها رحلة النسيانِ
تُشرع قارب الزيغانِ
إذ تلقى رفوفَ الطير تُؤذِنُ
قبل أشرعة الرحيل
بأنها
حملتْ عبير الليل
واتجهت تريدُ الغابَ
قبل تمايس الأنوارِ
في ألق الصباحْ
قبسان من وهج الظلالِ..
مَدَاهُما
أملٌ بأن تصل المدارَ قبيلَ أجنحة الرفيفِ
ونزعةٌ تطوي الطريقَ.. وتنطوي
في الصمت راسمة حدود الظلِّ
من شفة البراحْ
لا البرزخ المنسيُّ في الأعماق يسألها الإيابَ
ولا حنين الزورق المهجور في رمل الغيابِ
يعيده
للشاطئ المسبيِّ في الزمن المُباحْ
سيَّان
إن سقطَ الشراع على المدى قبل السِّفارِ
أو ارتمى
في لجَّة الموج العتِّي وقد سرى السرُّ المُدثر في العبابِ
يواكب الأنواءَ
إن أسْرَتْ به عكس الرياحْ
ونوارس البحر الشجيَّةُ تبتدي
في رحلة الهجران هجرتَها
وتعلن بعد أن عاد الشتاءُ
مواسم النسيانِ
قبل توهُّج الأشجانِ
في شجن الأقاحْ
في الليل
في نوء الدجى
سحْر النهاية إن سما
سفْر البداية للأقاصي من تخوم الموج
يُشهدُها
بأن العمرَ ميعادُ الرحيل
وأنّ أضرحةَ الثواني قُمرَةٌ
بين البداية والنهايةِ
تشرع الزمنَ المهاجرَ للقاء
كأنَّهُ
نزفٌ على سِيْفِ التمرّد والسماحْ
ويقولها قيظُ الصحارى
ها طوتْ بيْدُ الرمالِ
عتيَّ أمواج النقاء
وأشرعتْ
كرفوف أطيارِ البحار لحونَها
وكأنها
تدري.. ولا تدري
بأن البحرَ خاتمةُ المراحْ
يا قِبلة البحر المُهَجَّر.!
من تُرى...
يدعوكِ باسم الخمر والخَمَّارِ
باسم الحان والسُّمارِ
أن تبقي على فُلك الرحيلِ
عساه إمَّا أزمعتْ ظعناً تَرى
فيها الإيابَ إلى الوصول
كما ترى
فيها الوصولَ إلى الإيابِ
إذا يشاء السَّفر والبحَّارُ
إن طوت المسالكَ رحلةٌ
أو عاهدتُه على الرجوع
فربما
اختلسَ الزمان هنيهةً
كتب الوصايا دونَها
ثم ارتمى لهَفاً يُسائل عمرَها
درباً يُحمِّلُهُ بما شاء الرِّكابُ
عساه يدرج في مداهُ
كأنَّهُ
كرمٌ تنضِّره المفاتنُ والجراحْ
وإذا همى نقعُ الشتاء على المراكب
تبدع الأنوارُ
مرحلةً من الشَّجو المُؤَرَّقِ
تنتمي
من قارب الزمن الثقيلِ
إلى المتاهةِ
لا تؤاخذها المتاهةُ
أو تعاتبها المساربُ
بيد أن الشكَّ والإيمانَ
في صمت الغياهبِ
نزعةٌ دون الرُّقى
عاذت بها الأمواجُ
فانكسرت على نزف النواحْ
وتماوجتْ في السِّر خافيةً هواهَا
ثم ماءت في الأباعد
كيف تنهل سرَّها
وتعود من جهة انهمار الظلِّ
فوق مدائن الرؤيا
ومَدُّ الروح في جَزرِ النداءِ
يُعيد قاربها المُهَجَّرَ
من رصيف الظلِّ
نحو مرافئ الوطن المُباحْ
يا رحلة..
بين المسافة والمسافِة
هذه سُبُلُ الوصولِ
تضيع في نهر المَجَرَّةِ
فاكتبي في الرمل أغنية الحضورِ
وسامري في الماء سارية الدثورِ
ورددي
إن غالك اللحن الجريحُ
بأن عَوْدَ الماءِ للطغيانِ
إن طغتِ الموانئُ
وانتهى
للرمل ما حَفِلتْ به رئة الرياحْ
واستنزلي
غيثَ الفناء على الرؤى
فعساه من شفق الخلودِ
يمدّ جسرُ العمر أوردةَ النداوةِ
من ترانيم الجناحْ
ويضيعُ
بين الماء
والنار الوقودِ
مصيرُ آونة اللقاءِ
ويستريحُ على الأوارِ
ضميرُ آزفة الفراقِ
إذا أتاها في المخاض
نزيفُ مولدِهَا السِّفاحْ
حيرى
فما هي بالبتولِ
ولا البغيِّ
وإنَّما
شطَّان دونهما الرسالةُ
حمَّلتها الريحُ مبغاها
فعادتْ
كلمة بيد المصيرِ
وريشةً
باللون تكتبُ ما تشاءُ
فيمسح الأبدُ الأبيدُ حروفَها
ويشاؤها
أثراً على لوح البَرَاحْ