إلى إبراهيم أحمد،
ابن بغداد الشموس،
وهو يعيش منفياً في بلاد الصقيع
في شرفةِ العصرِ الملّونِ بالرمادِ،
على نحيبِ الشمسِ تأخذُ نورَها،
والريحُ ترمي نايَها فوقَ المدينةِ
ثم ترقى سلّماً،
كي تأخذَ الأجسادُ رحلتَها
على شبقِ الكلامْ.
كنتُ التساؤلَ حولَ ما ترمي الطيورُ
مِنَ التغرُّبِ رحلةً،
هل تحتمي بالحبِّ؟
أم أنَّ المساءَ يُسيِّجُ الأنثى
بصدرِ الشهوةِ الأولى،
وما تركَ التواصلُ من غموضِ الوقتِ
في جرحِ الغمامْ
كنتُ التساؤلَ:
هل يبيتُ الوجدُ في روحِ القصيدةِ
أَمْ يروحُ الشعرُ كي يبني
على الآجرِّ مملكةً
تضيءُ الكونَ أجساداً
وما يرمي به الشعراءُ أسفارَ الخليقةِ
ثم ينهشُ قلبَهم ذاكَ النزيفُ
وما تغرَّبَ روحُهم فوقَ الظلامْ؟
كنتُ التساؤلَ
والسنونو يُرجعُ الأصواتَ
في نَزْفٍ شفيفٍ،
ذوّبتْ أصداءَه بعدُ المسافةِ،
رحلةُ الأميالِ
كي تبدو المعاني مثلَ نهدٍ
يكشفُ الأوقاتِ صبحاً
أو خموراً تحملُ الأسماءَ في ألوانها،
أو مثلَ ناي يرفعُ الأحزانَ فوقَ البابِ
كي أمشي على جسدي المسيّجِ بالحكامْ
كنتُ التساؤلَ:
كيفَ لي أن أُرجعَ الصوتَ المرخّمَ
والمسافةُ ترجعُ الأصداءَ في صوتِ النحيبِ
ليعجنَ اليأسُ المبرمجُ خبزَ يومي
أو شروخَ الظلِّ
ما ضاعتْ مدائنُ فوقَ أسوارِ اللجامْ؟
هذا السنونو العذبُ،
يرمي فوقنا نوحَ الأحبةِ
أو غياباً، حين تأخذهم منافي البردِ
ينهشُ جلدَهم نوحُ الحنينِ
وما ترامى مِنْ صهيلٍ
فوقَ دمعٍ في الظلامْ
عاد السنونو اليوم إبراهيمُ،
كم مرَّ السنونو فوقَنا زمناً،
وأنتَ تجمّعُ الأسماءَ في زمنِ الشروخِ،
لتعجنَ الدمعَ الغريبَ بثلجِ ذاك الأفقِ
توقدُ جمرةَ الأحبابِ
تذكرُ كرخهم ونواسَهم
وشموسَ بغدادَ الحنونةِ
ثم ترمي نزفَكَ الأبديَّ
قهوةَ صبحِك الثلجيِّ
تجمعُ ما تكوّرَ في القدورِ،
فلا ترى غيرَ الدموعِ،
فتحتمي بالظلِّ في نغمِ الهزامْ
مرَّ السنونو اليومَ إبراهيمُ
كي يرمي على روحِ التذكّرِ
ما تناثرَ من عطورِ المرأةِ الأولى،
وما نهضتْ حدائقُ في ممرِّ العمرِ،
حتّى صرتَ تشتمُّ السخونةَ عشبةً،
والبردُ يأخذُ من بياضِ اللونِ
ما أسرت مدائنُ في تقدّمِها
وما جمعتْ سياجاً في انسجامْ.
مرّ السنونو اليومَ إبراهيمُ،
لم يعتبْ على عينيكَ،
كنتَ الدمعَ في ظلِّ الخمورِ،
وما تهجّى من حروفٍ،
ما تقوَّلَ في لسانِ الوجدِ،
ما نثرتْ زهورُ الأرضِ من حبقٍ
على رؤيا النوافذِ،
ما تجمّعَ من حنينِ يديك فوقَ الناي
والصوتِ المجرّحِ،
ما تبقى من شرودٍ،
حينَ يكسرُ ظلَّها عطشُ الشآمْ.
مرَّ السنونو اليومَ إبراهيمُ
حوّمَ حولَ أطرافِ الأصابعِ،
ثم دارتْ روحُه الذكرى
وما تركَ الرحيل على جراحِ الوقتِ
كي يسري على أسماعِنا
صوتُ التساؤلِ:
أينَ إبراهيمُ كي يرمي على جنحي السلامْ
في شرفةَ العصرِ الجميلةِ
كنت أرمي جرحَ هذا الوقتِ
في قلبِ التنهّدِ،
كي أسائلَ ربَّ هذا الكونِ
أن يرمي على قلبي وداعَ الكونِ،
فالريحُ التي نامتْ على ورقِ الكتابةِ
ترسلُ الأحزانَ مبخرةً
وهذي الأرضُ قد دارتْ على نوحِ
المغني دورةً،
حتّى يصيرَ الآنَ أعمى،
أو نزيفاً في الحطامْ
في شرفةِ العصر الجميلةِ
كان إبراهيمُ يرمي جرحَنا بالأسئلةْ،
فأمدُّ قهوَتَنا بصوتِ الصبحِ فوقَ النخلِ
ما تركَ الشريطُ من المواجعِ صائحاً
\"عزاز والله عزاز، وشوقهم شوق الشواطي
لليل دجلة\"
فيغيبُ إبراهيمُ في جسدِ القصيدةِ
يرتدي المنفى شتاءً،
أو عويلاً في رئات الناي
مصلوباً على كلِّ العراقِ،
وقد تهجى نخلَه صوتُ المقام
ذاك الصقيعُ يغرِّبُ الآنَ الصهيلَ
ودورةَ الأرضِ الجميلةِ
كي نؤاخي جرحَنا بالمقبرهْ
فيصيحُ إبراهيمُ حتى تختبي دنيا القوافِلِ،
يسألُ النايَ التواصلَ،
يحتمي في أيِّ شيءٍ ساخنٍ،
علَّ الشموسَ تجيءُ ثانية،
حضوراً أو ظلالاً أو رؤىً ،
فتعيدُ بغدادَ البعيدةَ جمرةً،
او ضوءَ قنديلِ على هذي المنافي،
أو طيوراً فوقَ أروقةِ القصيدةِ،
كي يطيّرَها كتابْ،
لكنّها ترمي القصائدَ بالنخيلِ منَ البعيدْ،
ليدورَ هذا الروحُ في ظلِّ الصقيعِ مسافةً،
فيكونُ هذا القلبُ مأوى للحنينِ،
وما تدلّى من منافي الوقتِ،
ما جمعتْ طغاةَ الأَرضِ من حقدٍ عليّْ،
ليصير إبراهيمُ رقماً فوق،
أسئلةِ العذابْ،
ماذا أقولُ الآنَ؟
طوبى للذي فتحَ النوافذَ،
كي أَجمِّعَ حزنَ هذا الوقتِ،
ما تركت بلادٌ يحكمُ الطاغوت
في أصواتها،
حتّى يصيرَ الليلُ أصغرَ من جراحي أَنّةً،
ويصيرَ إبراهيمُ ناياً فوق
أسئلةِ السراب؟!!
ماذا أقولْ؟
نايٌ يزملُني لينثرني على بابِ المدائنِ،
كي أُلامسَ قوسَ نصرٍ
كُشِفتْ أبعادُه صبحاً
فصارَ القوسُ مرمياً على ضلعِ الصدورِ
ليصيرَ قوساً فوقَ جرحٍ في الربابْ؟!
ماذا أقولْ؟
أأسيرُ في نزفي مواكبَ
كي أُخبّي حجرةَ القلبِ المسافرِ في الغياب؟!
ماذا أقولْ؟
مازال في الصوتِ الجميل حريقُ هذا الروحِ
ضفةُ دجلةَ الدنيا،
وما عبرتْ شطوطٌ
ما تنادي من جنونِ الشاعرِ المكسورِ
في ظلِّ المياهِ،
وما تصاعدَ في المقاهي من حنينِ
الماء نوحِ الأغنياتْ؟
لتقولَ أغنيةٌ وتسكرْ؟!!
\"عبرت الشط على مودك\"
فتلمُّ أعصابي حريقَ الوقتِ
ما سكبتْ دموعٌ من صهيلٍ
فوقَ صدرٍ في المساءْ،
ونشيجُ إبراهيمَ مئذنةُ الكلامِ
وما تقوّلَ في المدائنِ
من ضياعِ النجمِ،
أو سهرِ الحريقِ على شروخٍ في الهواءْ.
ليصيرَ خيطاً واهياً
روحُ التذكرِ دربُه اليوميُّ
أشعاراً غناءً
كي يحاولَ أن يعيدَ الصوتَ
شكلَ الوجهِ، حاناتِ الخمورِ
وشرفةً للنهرِ في ليلِ الأغاني والعبور،
وأن يمدَّ الروحَ نحوَ الروحِ أزهاراً
فتغلقُ خمرةُ الباراتِ
أبوابَ المدائنِ،
ما تكسّرَ في الزمانِ وفي المكانِ
أقولْ؟: وما تمازجَ فوق أسئلةِ الغيابْ
ماذا مُتدثرٌ بالليلِ يخلطُ رحلةَ الشعراءِ نحو الماءِ
بالسفرِ المسيِّجِ بالأنينِ
ليتركوا من جمرهم قمصانَ نَوحٍ
فوقَ أسرارِ اللغاتْ؟
مُتدثرٌ بلحافِ ما تركَ العراقُ
على فضاءاتِ القصيدةِ
أو في صراخِ الأرض في مجدِ الحياةْ؟
فلتشربوا من مائها،
ما كانَ من دمعٍ
وما راحتْ جراحٌ ترتدي أثوابَها
دوماً، صباحاً أو مساءْ
ولتعرفوا يأسَ المرافيْ
حينَ يُدرِكُ وجدُها لغةَ الطُغاةْ