على غَرَبِ الفراتِ تركتُ روحي
فأورقَ في دمي جذعٌ قديمُ
وراحتْ موجتي تجري سريعاً
تناديها الموانئُ فالهمومُ
وما أدري بأني كنتُ أروي
على نفسي مواجعَ تستديمُ
فقد نامَ الفراتُ على رحيلي
وأيقظَ ما تخبّئهُ الكلومُ
وماكانَ الفراتُ سوى عتابٍ
تهدهدهُ على حجرٍ سديمُ
يعلمني بأنَّ الصبرَ حزنٌ
وأنَّ حريقَ منفانا مقيمُ
وأن الوقتَ منكسرُ المرايا
ليعلو فوقَنا حزنٌ رجيم
فصرنا من نحولِ الجسمِ ظلاً
وناياتٍ تثقّبها الهمومُ
وصارتْ ضفةُ الأحلامِ موتاً
على أوجاعها سفرٌ عقيمُ
وها دمعُ الفراتِ على نحيبي
كأنّا نزفُ ليلٍ مستديمُ
كلانا صارَ منجرداً ضعيفاً
كما قصبٌ تُجرِّحهُ السَمومُ
وأسمعُ نايَهُ فيَّ قراراً
جواباً يرتدي روحاً تهيمُ
يُذاكرُ فيَّ أياماً غيوماً
ليسردَ فوقَ روحي ما ترومُ
يقولُ الآنَ منفايَ طويلٌ
وهذا الشرخُ مرتعه وخيمُ
وقد كنتُ العطوفَ على محبٍ
ينامُ بزندهِ أفقٌ حميمُ
ولكني على ضيقٍ ضفافٍ
أبوحُ بجمرتي تنأى الغيومُ
فقد بَعُدَ الترابُ على نحيبي
وصرتُ الوجدَ يجرحُهُ النسيمُ
وكنّا ماضياً سَفَرَاً فُراتاً
شميمَ الوردِ نافذةً تحومُ
وها نحن الجذوعُ تصيرُ قبراً
فكيفَ الجذوةُ الأولى تَدومُ
كلانا ضائعٌ فوق الصحارى
كأسئلةٍ تبعثرها الكلومُ
يفاوضُ كلُّ نذلٍ عن عيوني
فكيفَ يغيبُ عن بصري النعيمُ
وكيفَ أكونُ طاولةً وقلبي
بعيدٌ عن عيوني أو يَريمُ
ولستُ بسلعةٍ حتى أُراني
أضيعُ بدفترٍ وأَنا الحميمُ
ولستُ برحلةِ الأطيارِ يوماً
ولكني على وجدٍ كريم
فهذي روحُ شعبٍ فوقَ روحي
أُضيءُ بنوحها وأنا الهشيمُ
وهذا أفقُ ماري في عيوني
وبابلُ أختُها عندي تهيمُ
ولكنَّ الزمانَ نأى بأهلي
لأستهدي بقلبي يا نديمُ
فصارَ سؤاليَ الآنَ عقوقاً
غياباً أو جنوناً لا يريمُ
أنا سهرُ الليالي إن تجلَّتْ
وجمرةُ عشقنا عندي تقيمُ
وليتَ الكونَ يُدركُ ما ترامى
على نزفي لتنهَشَني الكلومُ
فلا تبكِ الليالي إنْ تردَّتْ
فطبعُ الجورِ مُرْتَجَعٌ قديمُ