على شبّاكِ هذا الليلِ
أفتحُ من نوافذِ روحِنا
قصصاً، حَكايا،
ما تراكمَ من همومٍ فوق أجنحةِ القصيدةِ
في مرايا الكائناتْ.
صدىً من أُمةٍ ضاعتْ
تناستْ أَنّ جذراً يربطُ الأشياءَ
والأكوانَ،
أنّ الماءَ قد سكنَ الجذوعَ،
فجاءَ لونُ الزّهرِ مسودّاً
لتبكينا ضلوعٌ خبأتْ وجدَ الحبيبِ
وما تجمّع فوقَنا من ظلمةٍ
تجتاحُ أسماءَ الحياةْ.
طريداً كنتُ أجري في دمي صبحاً،
لأستجدي نبوءاتٍ تُوحّدُ قامتي درباً،
طفولاتٍ تُؤرّق حاضراً فينا،
كلاماً ينتمي للحبِّ،
نافذةً يغرّدُ فوقَها صوتٌ
فلا أجدُ المساءَ سوى مرايا
أدمنتْ في جوفِها قتلي،
وراحتْ تحتمي فوقَ اللغاتْ
لنعبرَ حاضراً يقتاتُ من أجسادِنا زمناً،
فنبني خيمةً في دمعِنا،
أو في مرافئَ شُرِّبتْ بدمِ الصحابِ
ثم نسحبُ روحَنا فوقَ الصفاتْ.
على شبّاكِ هذا الليلِ
عشاقٌ تنامى الحزنُ في أسمائِهم دهراً،
لأشهدَ فوقَ نافذتي
خراباً يرتمي في روحِنا
مثلَ الخُرافةِ،
مثلَ أوهامِ الحكايا
ألفِ ليله،
فَتستقري النوافذُ
ما تبقّى من دماءٍ في أصابعنا،
فيلبسني على خوفٍ طريقي.
فهذي أمّةٌ نامتْ على أكفانِها،
حتّى تسلّمَ فوقَها مَنْ يرتدي قتلَ الوصايا،
مَنْ يتاجرُ في دمي دَوماً،
فيشعلني حريقي.
لأرسلَ للقصائدِ دمعةً تحنو على جرحِ الغيومِ،
وما تصاعدَ في الهواءِ نبوءةً
خدشت ليالينا
فيسألني بريقي:
لماذا ترتدي هذي المدائنُ قبرَها
والروحُ تُخفي وقتَها نوماً،
ليبكي الشعرُ فوقَ لهاثِنا أَلقاً،
وتنزلقُ المدافنُ فوقَ أرضٍ
أيقظتْ كلَّ الفجائعِ،
وارتدتْ من جَمرِها لغةَ النوائحِ
واستدارتْ في دمي
كي أَرتدي حُزني رفيقي.
أَما قَرُبتْ نهايةُ يأسِنا؟
أمْ أنَّ أمَّ اليأسِ
مازالتْ توزّعُ فوقَنا جُثَثاً،
فكيفَ يكونُ شكلُ الرأسِ
بعدَ الآنَ
كيف يكونُ موّالُ التمني،
كيف يرمي جمرةً هذا اللسانْ؟
أنا المفجوعُ أذكرُ دارَنا دمعاً،
فأذكرُ والداً يرتاحُ في صدرِ المكانِ،
يُنقِّلُ الأخبارَ من أفقٍ لآخرَ،
ثم يرمي جمرة
قَدْ توقظُ المسفوحَ من أرواحِنا
فوقَ الهوانْ.
لينظرَ في مرايا وقتِه المقطوعِ
من أفقِ الزمانْ
يُحاكمُ أمّةً
تخشى على أولادِها أن يدخلوا
تاريخَها، أن يحفظوا قرآنَها روحاً
تنقّيه،
لترفعَ نجمةً أُخرى
ويرفعَ صمتُنا حزنَ البراري،
ما تعمّقَ من جراحٍ أو عبورٍ فوقنا،
فتغيبُ عن فرحِ المدينةِ نخلتانِ
وروح أمي في العراءْ
فلا أدري بأيِّ الحُزنِ
أنفخُ ناينا وَجداً
وأيُّ الظلِّ يمشي في جراحي،
دونَ أن تحمي ظلالُ الروحِ
أشجارُ الشتاءْ.
لترفعَ نجمةً أخرى على أطفالنا
فوقَ المدائنِ،
تصبحُ الخبرَ المعمَّدَ،
ثم تأخذُ ما تشهّى من فتاوى
جَرّحتْ أسماءَنا زمناً
لتسقطَ من وصايا الأنبياءْ
أنا المفجوع، أذكرُ دارَنا دمعاً،
وأذكرُ والداً
يمشي إلى أُفقِ المسافةِ
عبْرَ ذكرى أو منامْ
يقولُ وصيّةً:
حاربتُ ما حاربتُ
لكنَّ المسافةَ بيننا حلمٌ.
فلمْ نُطلق عليها الحزنَ ذاكرةً،
وحينَ يجيءُ ذاكَ الليلُ أوجاعاً،
تداهمنا شكوكٌ كالمرايا
حينَ يكشفها السلامْ.
يقول وصيّةً:
حاربتُ ما حاربتْ
لي الأرضُ الحبيبةُ
ما تجمَّع فوقَها من أغنياتٍ
أو مدائنَ أشعلتْ جرحي،
هي الكونُ المضيءُ بقاعِ روحي
وليسَ لَها بغيرِ الروحِ أمكنةٌ
وليسَ لِشَعْرِها غيرُ الأصابعِ
في دموعي
هي الأرضُ الشواهدُ في ركوعي،
فكيفَ اليومَ أنسى وردةً حمراءَ
تسندُ قامتي أُفقاً،
تُوزّعُ عطرَها فوقَ البنفسجِ،
فوقَ آنيةِ الرخامِ
وفوقَ أطفالٍ
يُظلّهم على حبِّ رجوعي.
أنا المفجوعُ من خوفٍ
أنا المفجوعُ، أذكرُ دارَنا دمعاً
وأذكرُ والداً يسألْ
لماذا كُلَّما ضجّتْ عواصمُ
في مرورِ خديعةٍ كبرى،
نُخفِّي قهرَنا فوقَ الأصابعِ،
ثم نَقْطعُ للمغني حُلمةَ الفرحِ الوحيدةِ
والدماءُ هي الدماءْ؟
وكيفَ نُعمِّدُ الإسمنتَ فوقَ الروحِ،
كيفَ نهادنُ الأعداءَ
حتّى يدخلوا وجهَ المآذنِ والسماءْ؟
وكيفَ نُجمِّل اليأسَ المعتّقَ،
كيفَ ننسى أرضَنا دفئاً،
وكيفَ تهادنُ الأشعارُ رؤياها،
لتنسى ورقةً مملوءةً بالروحِ،
بالشعرِ المسوَّرِ بالأحبة والهواءْ؟
وكيفَ يَجفُّ دمعُ الروحِ أسفاراً
وهذا الوقتُ موعده الهباءْ
على هذي المدائنِ
ترتمي لُغة السُهادِ،
لتخلعَ الذكرى ملابسَها القديمةَ،
تحتمي في ماءِ أغنيتي
جراراً
ثم تجفلُ من خطايَ ومِنْ
مسافاتٍ على هذي السماءْ،
لتنكسرَ المدائنُ كلُّها فينا
وينكسرَ الهواءْ.
على هذي المدائنِ
تسقطُ الأشياءُ، في ميناء لوعتها،
ويصبحُ لونُنا ثوبَ الحدادْ
وما تشكّلَ في الخديعةِ من هياكلَ
أطلقتْ لغةَ الجنودِ،
وسوَّرتْ أسماءَنا فوقَ التماثيلِ الكبيرةِ
حينَ يفضحُ سرُّها ذاكَ الغناءْ
فأَصرخُ أَيُّها السَفَرُ المؤجّلُ في المرايا،
أَعنِّي دورةً كي أرتمي في حضنِ روحي،
أحفرُ الأسماءَ في مدنِ الملوحةِ،
ثم أرسمُ كهفَنا في موتنا،
فلعلَ آنيةً تجيءُ
توسِّعُ الأكوانَ في صوتي