هربَ المُسمَّى مِنْ أسَامِيْهِ
اخْتَفَى في نَبْعةٍ منْ ظِلِّهِ..
ومَضَى يُراقِبُ ما مَضَى أوْ قِيْلَ..
-أينَ البحرُ؟!
يُرْجِعُهُ الجوابُ إلى شَواطِئِهِ..
فَيتْلُو: \"وَالضُّحَى* والليْلِ...\"
يَهْدَأُ بعدَها ويَنَامُ..
يُوْقِظُهُ التَّعَاقُبُ..
-لا سبيلَ لِغَفْوَةٍ أَبديَّةٍ أبَداً!..
وَتَسْحَبُهُ الحِبَالُ إلى تَشَابُكِهَا..
يُفَارِقُ.. يَلْتَقي بينَ الثَّواني..
-لا سبيلَ لحالَةٍ أبديَّةٍ أبَداً!..
يَعودُ ويَخْتَفي..
فالليلُ نَفْسُ الليلِ..
لا مِنْ مُغْرِيَاتٍ لِلخُطَى لِتَزِيْدَ حِدَّتَها..
وأيامُ الحصَادِ بلا حَصَادٍ..
والشِّتَاءُ مُصَمِّمٌ كَالصَّيْفِ أَلاَّ
تُغْلَقَ الأبوابُ في وَجْهِ الجَرادِ..
يَسيرُ مُنْطَفِئاً ومُشْتَعِلاً،
ويَصْبِرُ لا لأَِنَّ الصَّبْرَ مِفْتاحٌ لِشَيْءٍ..
بلْ لِيَبْقَى..
عَلَّهُ يَرْقَى على دَرَجَاتِ سُلَّمِهِ المُصَادَرِ..
عَلَّهُ يُسْقَى شَرابَ الوَرْدِ
في بُسْتَانِهِ المَزْحُومِ بِالغُرَبَاءِ..
يَنْتَظِرُ البعيدَ..
ويَفْعَلُ المَعْقُولَ..
يَطْمَعُ.. يَكْتَفِي!..
-ماذا اعتراكَ؟
أراكَ مُحْتَفِياً بِتَاريخِ انهيارِكْ!..
-سَلَّمْتُ أمْري لِلْحَنينيَّاتِ
مِنْ يومِ ارْتَعَشْتُ،
وَلِلضَّبابيِّ اللطيفِ منَ الرِّياحِ،
وأنتَ مُرْتَبِكٌ أمامي..
أنتَ مُنْغَمِسٌ بِنَارِكْ!
-ناري تُؤَجِّجُهَا سُيُولُكَ..
ليتَني أقْوى عليكَ.. على قَرارِكْ!
-دَعْني.. وفَكِّرْ في انْتِحَارِكْ!.
*
وَيَلُمُّ عِطْرَ النَّرْجِسِ المُنْسَابَ
يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ
يَشْهَقُ..
يَشْهَقُ الآتيْ..
وَيَتَّسِعُ الحِوَارُ على الِّضفَافِ
وَيَبدأُ التّاريخُ..
تُنْسَخُ كُلُّ آياتِ الشُّعُورِ
ولا يَظَلُّ سِوى الشُّعُورِ
مُكَلَّلاً بِرَحِيقِهِ المَخْتُومِ..
يَشْهَقُ:
كانَ يا ما كانَ في زَمَنٍ مَضَى:
ما كانَ شيءٌ!..
إنَّها أضْغَاثُ أحلامٍ..
فَكُنْ يا قلبُ..
كُنْ يا عَقْلُ..
كُنْ يا شِعْرُ!
كُوني يا سَمَاواتُ..
اظْهرِي يا أرضُ..
مُوجي يا بِحَارُ!
اسْتَقْبلي حَبَّات طَلْعِكِ يا أَزَاهِيرُ..
اسْكُني أعْشَاشَ حُبِّكِ يا عَصَافيرُ..
اصْهَلي يا خَيْلُ في الآصَالِ..
رُشِّي لَحْنَكِ الشَّافي علينا يا نُجُومُ!
اسْتَبْشِري يا ظبيةَ الوادي بِمَوْلُودَيْنِ..
يا فَرَحَ السَّفينةِ!..
هَلَّلَ الجُودِيُّ...
غَرَّدَ في جَوَانِحِهِ الفُؤَادُ
وعانَقَ الدُّنيا وطارَ لِيَحْتَفِي!..
لا بُدَّ يا نارَ السُّيُولِ مِنِ انْطِفائِكِ
فَانْطَفِيْ!..
-أخْشَى عليها
مِنْ تَعَثُّرِ رَكْبِكَ السَّاعي إلى مَجْهُولِهِ..
ولها طُفولتُها...
وَهَوْدَجُها وَصَاوِصُهُ نُبُوءاتٌ لها..
والكونُ يُسْكِنُها حَدَائِقَ نَبْضِهِ!..
أَخْشَى عليها..
فَلْتَكُنْ أَهْدابُ عينيكَ الدُّرُوبَ،
وكُنْ لها...
-سأكونُ- لكنْ لنْ أَبُوحَ-
نشيدَها.. ومِدادَها
ورَحيلَها.. وبِلادَها
وصغيرَها.. وَعِمَادَها..
سأكونُ ما فََعَلَ الزَّمانُ بها لها!..
-أخشى عليكَ نِهَايَتي..
فَاحْذَرْ هُبُوطَ الشَّمْسِ..
وَاقْرأْ ما تيسَّرَ منْ نِهاياتِ الكتابِ
وَلا تَكُنْ إلاَّ لَهَا!..
**
ويكونُ عِطْرُ النَّرجسِ المُنْسَابُ أحياناً
رَمَادِيَّ الأَرِيْجِ..
وَلِلْبَيَاتِ دُمُوعُهُ
في لا مُبَالاةِ العُيُونِ..
فَلا يَرى إلاَّ حُطَاماً في الذُّرَى..
وَيعودُ مُشْتَعِلاً وَمُنْطَفِئاً..
وَيَصْبِرُ.. لا لأَِنَّ الصَّبْرَ يُغْلِقُ
ما تَفَتَّحَ مِنْ عَذَاباتٍ ولكنْ
كي يُمَشِّطَ شَعْرَ خَيْبَتِهِ
وَيُلْبِسَها ثِيَابَ النَّومِ..
يَحْضُنَها وَيَغْفُو في ثَنَاياهَا
وَيَنْسى ما جَرَى!..
لا بُدَّ مِنْ زَمَنٍ رَبيعيِّ الشِّتَاءِ
يُجَمْهِرُ الأَنْغَامَ في نَاياتِهِ..
وَيَجُودُ بِالعَزْفِ المُوائِمِ
بينَ مُتَّحِدَيْنِ في ظِلَّيهِمَا..
وَيقُولُ لِلصَّخَبِ الخَرِيفيِّ: ابْتَعِدْ
حتّى يَعُودَ المُخْتَفي
في نَبْعَةٍ مِنْ ظِلِّهِ...
هُزِّي إليكِ بِجِذْعِ نَخْلَتِكِ المُثيرَةِ
-ظبيةَ الوادِيْ!-
وَحِنِّي.. تَعْرِفيْ...