فوقَ الوقْتِ
ـ أَنَا اللا أعرفُ طَعْمَاً للراحَةِ ـ
أَلْفَيتُ دمي يَتَهجَّى فاتحةَ الجَمْرِ
على غُرْبَتِهِ
مَفْتُوناً بِبَلاغةِ ما يَتْلُوهُ صَهيلُ الدَّهْشَةِ..
كانَ الفَصْلُ خريفاً ـ أَذْكُرُ ـ
حينَ تَهيَّأَ لِلمَهْزُومِ على أَجْنِحَتي
أنَّ الغائبةَ الأبديَّةَ
ما زالتْ أبعدَ مِنْ أَبعَد نَجْمَهْ..
كانَ يُواصِلُ هَمْسَ القُبلاتِ
على جَسَدِ العَتْمَهْ..
ويموتُ كثيراً
حتى يَخْلُصَ منْ فَضِّ بكاراتِ الصَّدْمَهْ!..
كانَ الفَصْلُ خريفاً أيضاً
حينَ تَبِعْتُ ثَعالبَ وَهْمِي
كي تُوصِلَني لِسَراديبٍ تحتَ الرُّوحِ..
وَضَوْعُ ضَيَاعي
وَشَّحَ آفاقي بِغُبارِ الصَّدَأ
الشَّمْسُ مُكابِدَةٌ لِنَزيفِ القمرِ الأسودِ
حينَ يُرافِقُني في الدَّرْبِ..
مِيَاهي مُطْفأَةٌ..
والصَّحْراءُ تَمُدُّ الأَذْرُعَ
نحوَ الأخضرِ والخَضْراءِ..
هشيماً كُنَّا.. لا نَعبأُ بالريحِ الماءِ..
ونبحثُ كالطفلِ الجالسِ بينَ المَحْزُونينَ
عنِ البَسْمَهْ..
لو أنَّ الليلَ بلا قدمينِ
لَكُنْتُ نَجَوْتُ منَ الرَّكْلِ المُتَواصِلِ
في الطُّرُقَاتِ، وغَازلْتُ النَّسْمَهْ..
لكنَّ الليلَ بلا رَحْمَهْ!..
*
وَتَمُرُّ الدَّهْشَةُ..
أُثْبِتُ بالبُرهَانِ القاطعِ
أنَّ الحُبَّ يُعيدُ المفقودَ منَ الجسَدِ المَنْسِيِّ
ويَنْفي الرُّوحَ إليها
وعليها
تيجانٌ وحماماتٌ وقصائدُ لا تُنْسَى..
وَحَنَانٌ وحنينٌ وملائكةٌ
وغزالٌ يَسْرَحُ فوقَ الوقتِ
وحيداً وبعيداً كالوَرْدِ الجُوريِّ..
تَمُرُّ الدَّهْشَةُ...
ـ أينَ الغائبةُ الأبديةُ؟
ـ نائمةٌ خَلْفَ القُضْبَانِ
تُغَنِّي لَحْنَ مَبَاهِجِها الدُّنيا..
وأُغنِّي مَهْزَلَةَ الأقدارِ..
وأَصْعَدُ
لا أَهْبِطُ
أَصعدُ نحوَ يَمامةِ شُرْفتِها..
أَتَمسَّكُ بِذُرَاهَا..
أَتفاءَلُ.. أَنْسَى
وَجَعَ المهزومِ على أَجْنِحَتي..
وَأُروِّضُ خَيْلَ الأحلامْ..
لو أنَّ البحرَ مَليءٌ بالماءِ
لَعَادَ المُبْحِرُ مِنْ قلبي لِيَنَامْ..
*
وخريفٌ أَشْهَى
يَتَسلَّلُ منْ تحتِ الوقتِ..
يُحاوِلُ تَعْرِيَةَ الأشكالِ منَ الأسمالِ..
ويَقْتُلُ إمكانيةَ ألفِ ربيعٍ
في بَعْثِ الشَّغَفِ الأَخْضَرْ!...
لا يَصِلُ الراحِلُ..
لا تَصِلُ الراحِلَةُ..
الرحلةُ باردةُ الإيقاعِ..
رحيلٌ مَثْقُوبٌ..
وَوُجُوهٌ تَتكرَّرْ..
وأعودُ إليَّ:
أُحبُّكَ يا قَلَقَ الأطفالِ
على العُصْفُورِ الهاربِ منْ صَيَّادِ الغَابِ..
أُحبُّكِ يا كُثْبَانَ مُراهَقَتي
والنَّزْف الأَوَّلَ.. والتحطيمَ الوجدانيَّ..
كأنَّ الحاضرَ مَكْرُوهٌ..
يا أَسَفَ المُبْحِرِ
والمُتَلاطِمِ مِنْ أمواجِ العُمْرِ
على ما اجْتُثَّ مِنَ المَرْجَانِ..
سَهَوْنا وصَحَوْنا
وَرَأَيْنا الصُّورةَ غَامِضَةَ التّكوينِ
كأنَّ الشَّاعِرَ فيها يَتَبَعثَرْ..
سَنَعودُ على مَهَلٍ..
كُلٌّ يتأبَّطُ نَرْجِسَهُ..
ويُؤكِّدُ هاجِسَهُ..
ويُعانِقُ في الآخَرِ ظِلَّ قصيدتِهِ الأَشْقَرْ..
وَصَهيلُ الدَّهْشَةِ
فوقَ الوقْتِ
وفوقَ بلاغتِهِ.. وَيَدَيْنَا
يَتَكَسَّرْ!...