سأعودُ يوماً للبدايةِ...
كنتُ مُنْصَرِفاً لِتعبئةِ الفَراغِ
بِكُلِّ ما أُوتيتُ مِنْ جسَدٍ ورُوحٍ..
كانَ لي شَغَفٌ بِتَعْرِيَةِ اليمامةِ
مِنْ تَعَقُّلِهَا البريءِ..
وكانَ لي رئتانِ:
واحدةٌ لِعَاصِفَتي،
وأُخرى للزفيرِ المُسْتَفَزِّ بِنِدِّهِ..
وأَعيشُ يومي هارباً
مِنْ كُلِّ ما يَمْضِي..
مُرِيحَاً حاضِرِي
مِنْ عِبْءِ كُلِّ القادمينَ..
وهَازِماً مَلََلِيْ بِتَوْرِيَةِ الشُّمُوسِ..
وساخِطَاً في أَغْلَبِ الأحيانِ
مُنْطَوِياً على نَفْسِي وَنَفْسٍ
لا تُحِبُّ الانتظارَ..
أُحِبُّها وأُحِبُّ أَنْ أَرْتَدَّ عنها..
كُلَّما فَقَأَتْ عُيُونَ الجُرْحِ
في سَفَرَي الجريحِ..
كأنَّني أصبحتُ مُنْسَلِخاً
عنِ التَّاريخِ تاريخي...
غَدَوْتُ صحيفةً بيضاءَ
يلعبُ فوقَها قَلَمٌ بِلا حِبْرٍ..
رَبِحْتُ خَسَارتي..
وخَسِرْتُ رِبْحَ الرحلةِ الأُولى..
ربحتُ تَنَاقُضي:
أحلى صفاتِ العاشقينَ
تَنَاقضُ الأقوالِ والأفعالِ والأحوالِ..
يا أُمِّي! لماذا يَقْتُلُونَ حَمَاسَتي
وصَفَاءَ أُسْلُوبي..
سَلِيني!...
رُبَّما أبكي على زَنْدَيكِ ساعاتٍ
لأُوْلَدَ مِنْ يديكِ..
تَرَفَّقي بالصَّمْتِ يا أُمِّي...
كِلاَنا صامِتٌ عَنْ ألفِ مُعْضِلَةٍ ومُعْضِلَةٍ..
وصَمْتُكِ لا يُطَالِبُني بِرَدِّ الدَّيْنِ..
يتركُني لأَِسْرَحَ خَلْفَ ما اقترفَ المُغَرَّبُ
في أحاسيسي مِنَ الحالاتِ..
أعرفُ أَنَّني ـ وبدونِ أَيِّ تَكَلُّفٍ
في اللفظِ والإِيقاعِ ـ أعرفُ أنَّني
أحببتُ مَنْ أَحببتُ قبلَ ولادتي..
ولها ـ وأعني أنتِ ـ
ما ينمُو على الوجدانِ
مِنْ شَجَرٍ يُعَانِقُ بَعْضَهُ بَعْضَاً
كآخِرِ ما وصلتُ إليهِ
مِنْ غاباتِ حُزْنٍ وانكسارٍ..
كانَ لي أَمَلٌ بنهرٍ
لا يَفيضُ ولا يَغيضُ
ولا \"يُنَاجي بَعْضَهُ بَعْضَاً
بتكبيرٍ وتَهْلِيلٍ\"...
وكنتُ مُهَيِّئَاً نَفْسِي لِنَفْسِي
حينَ يَأْخُذُنَا الدُّوَارُ..
وها أنا مُتَناقِضٌ
في سَكْبِ نارِ تداعياتي
فوقَ لا جَدْوَى كثيرٍ مِنْ نِداءَاتي!...