هو الفراتُ إذا ما هَزَّنا الطَرَبُ
نَعافُ من أجْلِهِ الدنيا ونَنْتَسبُ
نشكو إليه همومَ الدهرِ نازلةً
ويشهدُ الحور والطرفاء والغرَبُ
حياضُهُ رَوْضةٌ غنّاءُ- طاف بها
خَمْرُ الزنودِ على ما خَيَّلَ الطَلَبُ
من عهدِ آدمَ يروي البِيْدَ دافِقُهُ
وعنده القمحُ والتفاحُ والرُطَبُ
وللعناقيدِ أنْداءٌ بشاطِئِهِ
تعطيكَ مِنْ كَرْمةٍ يحلو بها العِنَبُ
وما ارتمتْ في رياح الحُبِّ فاتِنةٌ
إلا إذا عَزَّها في نَخْوَةٍ (عَزَبُ)
وكم تَلَوَّعَ في أرباضِهِ دَنِفٌ
تسبيه غانيةٌ في ثغرها شَنَبُ
تُلوِّنُ الوعْدَ أنفاساً مُعَطَّرَةً
كأنّها من مَعِِينِ الله تُجتَلَبُ
وللأماني أوَانَ الصيفِ نَمْنمَةٌ
إذا تَنَاوح في أَمدائها التَعَبُ
ماءُ الشَبابِ على أعطافِهِ زُمَرٌ
نشتارُهُ مِثْلَ ما أَوحتْ به الكُتُبُ
***
أطفالُنا زهرةُ الدنيا ونَضْرَتُها
مازال يختانُهُم مِنْ رِفْدِهِ سَبَبُ
ومن يَخُضْ هَجْمَةَ التيارِ مُزْدَرِياً
في لَوْثَةِ الفِكْرِ قد يجتاحُهُ العَطَبُ
نامتْ على تُخْمَة المُنْهارِ كَوْكَبَةٌ
رعناءُ لا تَعرِفُ القُربى وتَحْتَطِبُ
أيُّ الظلالِ على الرَمضاءِ تنشدها
في خاطرِ الوَعدِ أدنى جنْيِها الذهبُ
والنائمونَ على الشَحنْاءِ ما عَرَفوا
أيّانَ يُستهجَنُ المَغْنَى ويُستَلَبُ
***
نهرُ الفراتِ تغيبُ اليومَ صولتُهُ
مُذْ حَلَّ شاطئَهُ في غَفْلَةٍ شَغَبُ
جَفَّتْ روافدُه في كُلِّ مُنحَدَرٍ
وقد تَزَاحمَ في أرجائِهِ السَّغَبُ
كم ذا أعدِّدُ من كَيْدٍ وقد عَبثَتْ
أيدي الهوانِ فأعلى زندَهُ القصبُ
دنياه أغنى عهودِ الظلمِ عاصفةً
يلمُّ أوزارَها في الظنِّ مُنتَحِبُ
ماذا أقلِّبُ مِنْ أمري وقد صَدَقتْ
أنَّ الرُّعاعَ غِلاظٌ إنْ هُمُ غَلَبوا
فارفعْ طِلابَكَ أسنى العَيْشِ مَكرمةً
أنْ تُمسِكَ النفسَ حينَ النفسُ تَضطرِبُ
وإنْ تجرّعتَ مُرَّ الكأسِ فارغةً
فاشدُدْ زِمامَكَ أَنْ يغتالَكَ الحبَبُ