تجيءُ..
وتعرفُ أنَّ الغيابَ
يذرُّ زماني.
وإني أشتّتُ روحي
حروفاً وأقوالَ بؤسٍ
تئنُّ على مُثْخَنٍ بالقتامِ،
وتعرفُ أنَّ لها في صقيع دمي
فتحَ جمرٍ،
يشيلُ ركامَ الثلوجِ
ويطلقُ دفءَ التراب المخبّأ
تحتَ جناحينِ من جلّنارٍ
يلفَّانِهِ كالعقيقِ
ويستنبتانِ شذاهُ الحميم.
لها في الحنوِّ
وريفٌ رشيقٌ.
وأنخابُهَا في المساءِ
فيوضُ المراحِ الشغوفِ.
تُغيرُ على زمهريري
وتخلي سعيرَ حصَاهُ
الذي ينخرُ العظمَ في الشوقِ
والماءَ في نايِ لهفي.
وتحنانُهَا شرفةٌ تشمسُ النضجَ
والعذبَ من ريّق الطلِّ
ينسابُ مسترهماً
برعمَ الياسمينِ
وعطرَ الحفيفْ.
تجيءُ،..
فيهزجُ في القلبِ ناقوسُهَا والخضابُ الجموحُ.
لها همَّةٌ وافتتانٌ نقيٌ
يضيءُ ظهوري ويندى.
يسنُّ الوضوءَ
بلمس مساماتِهِ عبرَ نجمٍ
يفجِّرُ آهَ البياضِ
ويعشبُ قبةَ وردٍ
تفكُّ إسارَ أجيجي
وأعسالَهُ تستبيحُ.
تغيبُ قليلاً..
لتفتحَ أبوابَهَا للبراري.
وتلثمَ نفحَ بخورٍ
فيدفقُ حدبٌ شذيٌ من اللهفاتِ
ويعذبُ مثلَ حداءِ نبيذٍ
يدفّئُ وردَ الضلوع
وملئي جذورٌ
تُشقّقُ صلبَ الأديمِ
لتطلعَ في الحيواتِ
وترفلَ بالطينِ،
تستعجلُ الاضطرامَ،
وسحرَ اللظى كي تكونَ
إلى سَمَقٍ يَفْجرُ الريحَ،
والريحُ محبوقةٌ بالجرار
وملءُ الجرارِ
سحابٌ أثيرٌ
وملءُ السحابِ
رهامٌ صدوحُ.
هي امرأةٌ من حريرِ الضياءِ
تجيءُ إلى وحدتي
كي تبرعمَ في لجّةِ الليلِ
ذاتَ الرغابِ،
وترتجَ صمتي
بأنواءِ تفاحها
والجنوحِ الشهيِّ
تجيءُ لأصهرَ لهثي
ينابيعَ نارٍ
وما ملء كفيّ من اشتياقٍ
يخلّفُ وشمَ السعيرِ
وطلِّ السنا.
وأخرجُ من غيبتي حيثُ شاءتْ.
وقد آنَ قطفُ لهاثي
وآنَ الجنى.
تغني..
يضيءُ الغناءُ لهيبي
واستعذبُ المسَّ في مفردات المنى.
تغني وترقصُ..
يَخْضَرُّ خصرٌ..
ويقطرُ ميسَ السلافةِ،
يا ليلُ طُلْ في السدولِ
وما شئتَ من حلكةٍ وانغلاقٍ.
سأنسى..
قميصكَ كيفَ يقوقعُ فيَّ رحابي.
ويسلبُ صوتي عليها.
وكيف يشدُّ بأزرارهِ الفاحماتِ
على فيضِ سهدي...
على العتباتِ التي كنتُ فتَّحتُها
كي أمرَّ إلى كائني الأوليِّ
وكائنها في البزوغِ
وننثالُ من طيننا كائنينِ
تلمُّ الخرافاتُ أطرافها
مِنْ جوانا.
ويختتمُ البوحُ نهمَ الفيوضِ الرهيفةِ
مما شجوناهُ في برهةٍ..
واستحالَ الزمانا.