هو البحرُ أَحرقَ آخرَ مركبةٍ أقلعتْ في منامي
رجوتُ على الشطِّ موجاً حنوناً يردُّ الأَحباءَ للغائبينْ
فأَنصتَ معتذراً وابتعدْ
تمنيتُ أَنْ...
غيرَ أَنَّ التي أجهشتْ بالبكاءِ على كتفي
ثم ألقتْ مفاتيحَ أسوارِها في يدي.... غرَّبتني
فأخرجتُ عكازةً من ضلوعي
لئلا يعثرني حجرٌ جارحٌ أو بلدْ
لم يكن غيرُ ظلي معي
غيرَ أنَّ التي شاركتني أصابعَ كفي
تمادتْ معي بالسؤالِ عن الحالِ
شيَّدَ إلحاحُها مخفراً بيننا
فأخبرتُها أنني خائبٌ وصغيرٌ على الحلمِ
والمفرداتِ وشكوى العبادِ
وأشياء لو أستطيع لَبحتُ بها.....
وأَني أفتشُ عن قلمٍ لا يضيق بشكواي ذرعاً
وعن وطنٍ يستحمُّ بروحي
أنا اليافعُ الصوتِ
والمدمنُ الندبِ والحشرجةْ
أنا السيدُ المستريب من البردِ
أعترفُ الآن أَنَّ الحنانَ الذي لفني
زائفٌ....
وقلبي الذي لَفَّهُ ريشُ عصفورةٍ
خائفٌ.
وقد فاضَ مِنْ غربةِ الروحِ للروحِ فاضْ
وعادَ إلى ليلةٍ داهمتها الزنابقُ
فاسْاقطَتْ أفقاً مِنْ بياضْ
فيا أَيها الشاعرُ المتدثرُ بي
لا تكنْ واضحاً مثل كفي
ولا غامضاً مثل خوفي
وبدِّلْ ثيابَكَ
واخترْ تلاشيكَ في موجةٍ أرَّقتكَ انتظاراً
وخبئ نطافكَ ثمةَ حورية ستشدكَ
فاخلعْ قميصَكَ واخرجْ إليها
عساك ترى دمعَها مرتين
وأَنتَ تخبئُ تحتَ وسادتِها روحَكَ الضائعةْ
ألسنا شريدينِ.....؟
ماذا تريدينَ يا وردةَ البحرِ والليلِ
ماذا تريدينَ من ولدٍ غابَ عن وعيهِ
واستفاقَ على صوتِ محبوبةٍ مثخنٍ بالقبلْ
وماذا تريدين من طائرٍ فَرَّ مِنْ كَفِّ صيادِهِ
واحتواه الخرابْ
وأقعى على بابِ مَنْ عانقوهُ ومن خذلوهُ
ومن أغلقوا دونَ أحلامهِ أَلفَ بابٍ وبابْ
ومدوا شرايينَهُ للزبدْ
رجوتُ على الشطِ موجاً جموحاً
يرُدُّ الأحباءَ للغائبين
فأنصتَ معتذراً وابتعدْ
وحوريةُ البحرِ فرَّتْ بظلي
ولم يبقَ لي بعد ظلي أَحدْ