في النوم تأتيك القصيدةُ
لا تزدْ رؤياكَ حرفا
وَارْوها مَتْنَاً، كما جاءتكَ، صِرْفا
الْوَرَّاقُ
في سوقِ الورّاقين ببغدادَ
تعالتْ أصواتٌ متداخلةٌ
كانتْ تعرضُ ألوانَ المخطوطاتِ،
همومَ العقلِ،
كتابَ المالِ،
عيونَ الأخبارِ،
وديوانَ ابنِ الفارضِ
وابن عُنَيْنٍ
كان الورّاقُ يبيع الشعرَ بلا شعرٍ،
والفكرَ بلا فكرٍ
وحواشيَ سوّدها النُّساخُ على متنِ الشيخ
قال كبيرُ الورّاقينَ: لا تعجبْ يا ولدي
بين المتنِ وبين الذيلِ طلاقٌ أزليٌّ
بين النظريةِ والتطبيقِ تضيقُ الأفهامُ،
وتُمسي رَجْماً أو طِلَّسْماً
يصعبُ أن تمزجَ بين الروحِ وبين الطين
-مَن يصنعُ هذي النظريّاتِ؟
-وحيٌ يا ولدي، وحيٌ –فيما زعموا- يُوحَى
لكنّ الوحيَ ينامُ على لافتةِ يتقرّاها البسطاءُ
صباحَ مساءْ
يرفع سلطانُ الوقت شعاراتٍ فاقعةً،
ويطبّقُ ما يهوى
-مَنْ زَيَّنَ للسلطانِ أنْ يُنْتِجَ تطبيقاً يخترقُ النصَّ؟
كُثُرٌ يا ولدي، كثرٌ
الساسةُ والفقهاءُ وأربابُ المالِ،
شيوخُ البصّاصينَ،
والداعونَ إلى تحرير القسطنطينيةِ
أو تسليحِ ثغورِ الشام مع الروم.
ناحَ عجوزٌ ورّاقٌ قلقُ النظراتِ:
قد ألحفتَ كثيراً
والقاتلُ بين الفكّين سؤالٌ عجلٌ
عُدْ لتصانيفكَ يا ولدي فالسوق خؤونٌ
منذ شهورٍ قُطِعتْ شَفَةُ الورّاقِ ابنِ العبّاسِ
قالوا نَبَسَتْ ببناتٍ ينبئنَ ببعضِ الكُفْرِ
أو الفكرِ أو العُهْرِ،
كما قرّرَ شيخُ البصّاصينَ
أمامَ الخاقانِ الأعظمْ
بلْ في معركةٍ بين العقلِ وبين النقلِ
صُلبَ الحلاّجُ وكان على أعلى شرفاتِ الروحِ
يزيّن للدَهْماءِ مقالةَ أنَّ الأرض تدورُ
في العصر التالي
وقف البهلولُ أمام صليبِ المحنةِ
يضحكُ أو يبكي
ناوشهُ الصبيةُ والدهماءُ قليلاً
ضَحِكَ الوجهاءُ
مَدَّ لساناً شقّقه التَّجْوال بقاع الألفاظِ،
وأدماه الشتمُ اليوميُّ
أقعى في حضرةِ قاضي السلطانِ الأكبرِ
بالَ قليلاً
راجمهُ الأعوانُ،
فأطلق ساقَيْهِ لجنونِ الريح.
بين الفكرِ وبين الكفرِ سراطٌ
لا يعبره إلاّ الأقطابُ
وأربابُ الوقتِ من الأعوانِ
-فهل ينتصر العقلُ أم يكتسح النقلُ؟
إن كان العقلُ أو النقلُ هو المنصورُ
فمن ينصرني..
مَنْ ينصرُ إنسانَ القاعِ المسكينْ؟!
في العامِ السالفِ والخمسين
كنتُ على أبوابِ القسطنطينيةِ فرداً
يعبرُ نحوَ بلادِ الإفرنجِ دروباً غلّقها الثلجُ
وسلاسلَ لا يقطعُها إلاّ العزمُ الخارق والإيمانُ
قُطّعتُ هناك على صخرِ مضيقِ البُسْفورِ
وتخطّفني الطيرُ الجارحُ والغربان
ثم حُشرتُ –كما قالوا- يوم الحشرِ الأعظمِ
من حَوْصَلةٍ في نسرٍ
كان أسيرَ التحنيطِ الفاخرِ
في قاعةِ عرشِ السلطان
في العام اللاحقِ والسبعينَ وألفِ أو ألفينِ
كنتُ على أبواب الجولان
أمعنتُ صعوداً
قبّلتُ الصبّارَ
قبّلتُ الأحجارَ
وبعضَ صغارٍ الأسماكِ بشاطئِ طبريّا
كنتُ لجوجاً
أسألُ عن طفلٍ..
أعرفه منذ الألفِ الثالثِ قبل ولادة هذا الكون
كان يصيدُ الأسماكَ بخيطِ القلبِ
وينصبُ أفخاخاً للدوريِّ الماكرِ
أو يتقافزُ خلفَ القطعانِ
ويذوبُ كقطٍّ في غَبش الأحراشِ
حين يباغتهُ صوتُ الراعي الغاضبُ
أو لسعُ عصاه
بعد ثلاثِ ليالٍ
فرّ الأبطالُ المزهُوّونَ بلألاءِ الأوسمةِ
وتخندقتُ على أعتاب الجولان.
كَمْ يتشظّى هذا الإنسانُ المثقلُ في الأزمان
في زمنٍ يهطلُ بين زمانينِ على صحراءِ الطين
كنتُ فضاءً مزروعاً بالألغامِ وأشراكٍ مهلكةٍ
كنّا في الحضرةِ أنقاضَ عظامٍ، مبهورين
كان الموجُ يلاطمُ بعضَ الموجِ المذهولِ
أو يلطمُ صخرَ البرّ الثاني
يرتدّ صديدا
غادَرَنا الموجُ مُريداً إثرَ مُريدٍ
وبقيتُ بحضرته أنداحُ وحيدا
-ماذا تبغي؟
-الوعدَ الموعودَ
-قال الشيخُ المتزمّلُ بالأسرارِ:
بعضُ الموجِ يؤوبُ هباءً
هذا طينٌ لم يبرحْ مجلسَنا
هذا طينٌ يبقى في البرزخِ دهراً دهرا
لا يرجعُ من يجتازُ العُدْوَةَ
أو يصلُ البرَّ الثاني
في البرّ الثاني يتجلّى العاشقُ والمعشوقُ
-لكنَّ الشوقَ يزلزلني فأتوقُ
وأنا إنسان قيّدهُ الطينُ وماتَ زمانا
كيف يفيقُ؟
ـ كي تنفذَ في أقطار الأسرارِ،
اِقرأْ صدرَ المتنِ ودعْ عنكَ حواشيه.
ـ لكنَّ المتنَ خطوطٌ متشابكةٌ
وحروفٌ خاليةٌ من عُلاّماتِ الإعرابِ
أو الإعجامِ
أو قُلْ تترجرجُ كالزئبقِ في كفّيْ قارئها
فتضيقُ بحالتها الأفهامُ
ـ ضَعْ إبريقاً من صَلْصَال الشكِّ على نارٍ غافيةٍ
فإذا خامركَ الظنُّ بأنَّ الماء تماهى بالفخّارِ
ضَعْ بعضَ وُرَيْقَاتٍ من نعناعٍ بريٍّ
فإذا أيقنتَ بأن العطرَ الشاميَّ
تسلّلَ في مَتْنِ الماءِ
أطفئْ بركانَ النارِ بصدرِ الطين
واشربْ روحَ المعنى.
ـ لكنَّ المبنى دربٌ زلقٌ..
يتكسّرُ أو يتستّر...
أو تخترقُ وُريْقاتِ المخطوطِ الديدان
هذا خَرْمٌ في المتنِ فكيفَ ملأتَ ثقوبَ النصّ؟
في النظريّةِ خرقٌ!!
قال المتولّي لشؤون المكتبةِ السلطانيّة:
بَلْ نقصٌ في المتنِ
أكلته الدودةُ عبرَ دهورِ العملِ السريِّ،
وبعضِ شجاراتِ العملِ العلنيِّ
ـ فكيفَ ملأتَ الخَرْمَ؟
ـ رمّمه العقلُ السلطانيُّ بسياقِ الجملةِ والتأويلِ.
ـ فكيف يصيبُ الخرمُ حقوقَ المحكومينَ،
ولا يقربُ حقَّ الحكّامِ أو الفقهاءِ،
وأربابِ السيفِ،
وأصحابِ الشركاتِ العابرة؟
ـ الحاكمُ أقدرُ في ميدانِ التأويلِ
وفَهْمِ المصلحةِ الوطنيّهْ
يَتصرّفُ بالمَتْنِ بما تقضيه الحالُ
ويمليه المالُ
وسياساتُ الكونِ الأمميّهْ
هَمْهَمَ ورّاقٌ أبكمُ مَسْمُولُ العينِ:
حولَ المتنِ يكتبُ سلطانُ العصرِ حواشِيَهُ،
فيطوّقهُ أو يخنقهُ
يرسمُ ألغازاً تحتمل التفسيرَ أو التأويلَ
يقرأها البارعُ من أعوانِ السلطانِ كما يهوى
يتعلّق بالنَبْرَةِ أو بِالكِلْمَةِ أو ببروزٍ في حرفٍ
أو بإِشاراتٍ
أو أوهامِ إشاراتٍ
صدرتْ عن كفِّ الذاتِ السلطانيةِ
أو خِنْصَرِها
يَستنطقُ ما لا ينطقُ أو يَسْتَكْتِبُهُ
يتدفقُ ديوانُ الإنشاءِ بآلافِ الكتبِ
تتوزّعُ عبرَ الأقنيةِ الرسميّة
واللاّرسميّةِ في الأمصار.
ـ أين المتنُ؟
ـ المتنُ تَوارى في الصدرِ وأوهامِ الثوّار
المتن توارى في أعلامِ الشهداءِ
وأبطالِ التحريرِ
ومقارَعَةِ الكفّار.
غارَ الورّاقُ المسمولُ وراءَ ظلالِ الأسماءِ
وخارَ كبيرُ البصّاصينَ كثورٍ ملدوغٍ:
مَنْ سَوَّلَ للمارقِ..
أن يقتحمَ العصرَ بآياتِ الذاتِ الأولى
مَنْ أعطاه الإذنَ بأن يحييَ ما قد ماتْ؟
ـ منذُ دهورٍ أحملُ هذي الخشبْةَ أو تحملني
منتظراً مَنْ يحرقُها أو يصلبني
أجهدني هذا الرأسُ المجنونُ
فَمَنْ يرحمه،
بل يرحمني؟
ثانيةً هاجَ البصّاصُ كثورٍ:
في القرنِ الثالثِ كان الهالكُ يُدعى الحلاّجُ
وصلبناهُ
في القرن الرابع نادوه المتنبّي
وسجنّاهُ
في القرن السابعِ كان ابنَ عنينٍ
ونفيناهُ
ماذا تُدعى في القرن الثاني والعشرين
لم يقرأْكَ القارئُ في المتنِ،
ولا في تفسيرٍ أو تأويلٍ أو حاشيةٍ!!
واراني الخرمُ
- وارتني الدودةُ في مكتبةِ السلطانِ
قرضَتْني حَرْفاً حَرْفا
لكنَّ النُّقْطَةَ في الخاءِ استعصتْ
في النقطةِ عاودتُ الخلقَ،
تشكّلتُ كما أهوى
الحقَّ أقولُ لكم:
جسدي ما يفنى،
أما الروحُ فلا
الروحُ الخالقُ يتجلّى في الطينِ
متى شاء وأنّى شاء وكيفَ يشاءُ
أمّا السلطانُ
فقد خرمته في الصرحِ الملكيّ الديدانْ.
****
هل ناجيتَ السرَّ
هل قاربتَ النهرَ صباحاً
حين يكونُ الماءُ خليطاً من ماسٍ وضبابٍ
هل قبّلتَ الوردَ المعقودَ على سُرّتهِ؟
صابحتُ النهرَ مع الخيط الأوّل للفجرِ
كانت جنيّاتُ الليلِ،
يدلّلنَ النهدَ بماء غوايتهنّ وبعضِ السحرِ
يَقْطُرُ منه حليبٌ،
يُسْكِرُ ماء النهرِ فيغدو مجنوناً
أو مفتوناً يأخذه الوجدُ كصوفيٍّ بلّله العشقُ
يخلعُ ثوبَ الأرضِ ويمضي في حاراتِ الكَرْخِ
يطاردُ أسرابَ الحسناواتِ على الجسر الخشبيِّ
يجوبُ الحاناتِ
يعربدُ فوقَ موائدهمْ.
تعلو ضحكاتُ غزالات الكرخِ
يترنّحُ مذهولاً بالغُنْجِ الفاضحِ
يسطعُ في غَمْزَاتِ الحِنّاءِ الجَذْلَى
تعلو ضحكاتُ سُكارى مبهورينَ بفعلٍ
لا عهدَ لحاناتِ الكرخِ بمثلهْ
يتعرّى النهرُ
ويُلقي ضفّتهُ اليمنى فوقَ موائدهمْ
واليُسرى لليلِ السّاهرِ في قصرِ المأمونِ
يطرقُ أبوابَ المقصوراتِ
فتشتعلُ النّارُ بِسُكَّرِهَا
تتعالى أصواتُ الحرّاسِ المأخوذينَ،
فهذا مجنونٌ يخترقُ الحرماتِ.
لكنَّ شهيقَ المقصوراتِ يفيضُ
يتشبّثُ بالنهرِ،
ويخفيهِ وراءَ ستورٍ أرهقها الحرمانُ،
وأحرقها وَهْجُ أُنوثتها.
منذُ دهورٍ
كُنَّ تَمَرَّسْنَ بعشقِ الذاتِ
كُنَّ يحاكينَ طقوسَ العشقِ الوثنيِّ
وراءَ الأبوابِ الملكيّهْ
يُنْبِتْنَ العاشقَ بينَ أصابعهنَّ
يدبُّ كأعمى في بستانِ الجسدِ المتفجّرِ
شَهواتٍ وجُنونا
يَطْعَمُ تينَ شفاهٍ أينعهُ الصبرُ
أو يرشفُ نهداً أعياهُ ترقّبهُ
بل أتعبهُ التحديقُ بمرآةِ الوهمِ،
والخوفُ الفاضحُ من أن يذوي عَطِشَاً مكنونا.
حين يثوبُ الحرّاسُ،
يقودونَ النهرَ المَمْسوسَ إلى السيّافِ،
ويغدو القصرُ نشيجاً مكتوما.
ألقيتُ الجسدَ الملتاعَ إلى ماءِ النهرِ،
ترشَّفْتُ حليبَ اللّوزِ الفائرَ من منبعهِ.
نبعتْ حَلْمَتُها اليسرى خمراً
ما ذاقَ الإنسانُ الطينُ كهذي الخمرةِ
مذْ قطَّرَها أو خمَّرَها.
يوم وُلدتُ
غادرتُ الطّينَ المخمورَ مُسَجّى في قاعِ النهرِ
وخرجتُ من الماءِ وحيدا.
يا دجلةُ
يا قادمُ من جنّاتِ اللهِ
تتلألأُ في عينيكَ الأسرارُ وتخترقُ الأفلاكْ
قالوا: مكشوفٌ عنكَ،
فهل صادفتَ ابنَ سُرَيْجٍ في مَسْرَاكْ؟
ضَاعَ ابنُ سريجٍ في حاناتِ الكرخِ،
وكانَ يلوبُ على لحنٍ
ضيّعهُ بينَ نهودِ صباياها
كانت تقطرُ بالشَّهدِ وألوانِ الموتِ المُتَشَهَّى
صَالَبْنَ ابنَ سريجٍ، أو صلبوهُ على نهدينِ،
وكانَ يحاورُ نهداً آخرَ أو أكثرَ،
أو ما لا أدري عددا
ناحَ النَّهَوَنْدُ بما ناحَ،
وألقى ريشتهُ وتهاوى بَدَدَا.
يا دجلةُ
يا مُفْرَدُ بينَ الأنهارِ بجنّاتِ اللهِ
يا غائصُ في سرِّ الأسرارِ
إنّي في الشامِ تركتُ القلبَ المخلوعَ يذوبُ وجيبا
إنّي في برِّ الشامِ استودعتُ اللهَ حبيبا.
كانتْ تتمنطقُ بالفلِّ،
وتَشْكُلُ بعضَ الوردِ الجوريِّ على صُدْغَيْها
فاحتْ أزهارُ النّارنجِ على صدرٍ وثنيٍّ
فزها كقبابٍ شاردةٍ أو غاضبةٍ
دارتْ أرضُ الدّارِ بنا،
أو دارَ الرأسُ خُمارا
دارتْ كفّايَ تلوبانِ على شيءٍ يَعصمنا
وتشبّثْتُ بغصنِ النعناعِ المُخْضَلِّ
فحنا وَجِلاً
قبّلتُ النحرَ
قبّلتُ الصدرَ
وتَتَبّعتُ الخيطَ الفاصلَ بينَ بياضِ النهدِ
وشُقْرَةِ وَرْدَتهِ
قبّلتُ هلالَ القُبَّةِ،
أمعنتُ صعوداً نحوَ التوتِ،
نزولاً بينَ الأضلاعِ
لامَسْتُ البطنَ قليلاً بأناملَ واجفةٍ
أيقظتُ القمرَ النائمَ في سُرّتها.
نَفَرَ النّعناعُ الذاهلُ مذعوراً
وصحوتُ على أبوابِ الشامِ غريبا
يسألُ برَّ الشامِ أمانتهُ
يسألُ أقطابَ الوقتِ حبيبا.
يا برَّ الشامِ
بأسماءِ اللهِ الحُسْنَى أستحلفكَ
بمآذنكَ
وبزاويةٍ هاجعةٍ
رَنَّحَها الذِّكْرُ الصاعدُ نحوَ العرشِ بكاءْ
بالوَرْدِ الجوريِّ يميسُ على أيدي المجذوبينَ،
يُضرّجهُ العشقُ،
فيغدو في الحضرةِ وجداً ودعاءْ
يا دجلةُ
يا سائحُ في برِّ الشامِ كدرويشٍ قلقٍ
هل قابلتَ بمسراكَ الأزليَّ حبيبا؟
ضَيَّعَها الخَرْمُ على أبوابِ المقصوراتِ،
وكانتْ تُنْشدُ شعراً ممنوعاً للديكِ المجنونِ
وتغنّي لحناً لابن سريجٍ،
\"وّدع الصبرَ مُحِبٌّ ودّعكْ\".
أو تغزلُ شالاً من أوتارِ الصبرِ
لحبيبٍ يتطَوّحُ في حاناتِ الكرخِ
يبحثُ في الخمرةِ عن محبوبٍ
أخفاهُ السلطانُ بأصدافِ الدرِّ المكنون.
يا دجلةُ
هذا ليلٌ عسعسَ في الأحشاء
هل صادفتَ بمسراكَ العُلْوِيَّ صباحاً يتنفّسُ،
نجماً، قنديلاً، ضوءاً يلمعُ في وادٍ منسيٍّ
غَفَلتْ عنهُ عيونُ البصّاصينَ
بأصلابِ الأشجارِ المنفيّةِ،
أو بعضَ الجمرِ الهاجعِ في رَحِمٍ
تتأكّلُهُ الشهوةُ للأبناءْ
هل أبصرتَ برؤياكَ الماءْ؟
أبصرتُ دماءْ
أبصرتُ كثيراً فيما أبصرتُ
فويلٌ للأبناءِ من الآباءْ
أبصرتُ القهرَ المسجورَ
يفيضُ غضوباً من تنّورِ ابنِ الزيّاتِ،
فويلٌ للصّانعِ والتنّورِ
بل ويلٌ،
ويلٌ للأحفادِ المنذورينَ لوقتِ لا تحملهُ البشرى
بل يجلبهُ بعضُ الأعرابِ
وأبناءُ قريظةَ والدهماءْ.