من الأرضِ يبدأُ هذا الغناءُ
من الأرضِ تنهضُ زُغْبُ العصافيرِ
تغدو نسوراً، أبابيلَ، ترمي وترمي
تُدَوِّمُ في مُطلقاتِ الفضاءِ
إلى الأرض ترتدُّ لحناً أليفا
لتأوي إلى صدرِ أمٍّ رؤومٍ
تقبّلُ في الريشِ وردَ الدماءِ
لتنهضَ في مُستهَلِّ الرّبيع غناءً،
وليداً، تسربَلَ بالنّار والكبرياءِ.
من القلبِ أرفعُ هذا الغناءَ
لهذي البلادِ التي في فؤادي نشيدي
لعلّ النَشيدَ يؤانسُ في الصمتِ روحَ الشّهيدِ
وتُورِقُ فوقَ صداهُ الدّوالي
لصبرِ الليالي،
لخنجرِ عمّي، ومِقْلاعِ خالي
لذاكَ الذي أثخنتهُ الصبايا
فزغردَ في القدسِ ناراً ونايا
لزيتونةِ الدّارِ، رفِّ الحساسينِ \"ستِّ سُتَيْتٍ\"(*)
لبيتٍ تحصّنَ بالزيزفونِ،
وآيٍ من الذِّكْرِ تعلو مع الفجرِ
\"يا واسعَ الرزقِ\"، يعلو نداءٌ نديُّ الحنايا
لتلكَ التي أثْخَنتها الطفولةُ رَعْشَاً حنوناً
لِفُلّةٍ عمري التي ساكنتني دمايَ
وكانت على العمر أحلامَ عمريْ
وكانت على الدّربِ هاديْ خطايَ.
هَبينيَ أغصانَكِ العالياتِ
لتبني صغارُ العصافيرِ أعشاشَ عشقٍ
ويزهرَ عرسُ الأماني العذابِ
هَبينيَ بعضَ الحكايا التي تقتلُ الليلَ
إنّي معَ الليلِ طفلٌ ملولُ
يخافُ من الجِنِّ، يخشى العفاريتَ
يَنْدَسُّ في الصدرِ فَرْخاً رَعُوشاً
هَبينيْ من الدّفءِ ما يملأُ الّروحَ أمْناً
يشعشعُ ريشُ الحساسينِ في قُبَّةِ القلبِ
يشتو القَرَنْفُلُ، هذا شتاءٌ طويلُ
هَبينيْ من الكُحْلِ بعضَ الضياءِ
فهذا عَمَاءٌ سحيقٌ يطولُ.
من الأرضِ يبدأُ هذا الغناءُ
من الأرض يبزغُ فجرُ العصافيرِ سِرْباً فسربا
تُغيرُ نسوراً،
تُؤَرِّقُ ليلَ العواصمِ
ترسمُ بالقلبِ نهراً وبحرا
تَغُطُّ حِرابَ الجناحِ بماءٍ
تَقدَّسَ بالمرسلينَ ووحيِ السماءِ
وتَسْري صواعقَ حُبِّ ورُعْبٍ
من القدسِ حتّى أعالي الجليلِ،
نبيّاً شهيداً،
تعاصى على ضارياتِ الفناءِ.
من القدسِ يبدأُ هذا الغناءُ.