النهر الجاري بحقائب أشعاري
العابر من شوقٍ
في زنبقة الرؤيا
المتصوّف في زرقته من غير حوافٍ تحجرهُ
إلا من شيءٍ يخفق في العمق
يرجّ الضفّةَ والضفّةْ
نهرٌ من شوقٍ كوَّن مجراه
وتدفّق ألحاناً
لا تخطر في وتر الجنِّ
ولا تقدح في ذاكرة الملهَمْ
نهرٌ يتقمّص طيفَ الضوء
ودندنةَ اللونِ
ويشهق في البعد
ويأتي شجرَ الصفصاف
يخوضر عينيه بنسمةِ لُقيا..
***
نهرٌ.. في الوجد جرى
فامددْ ظلَّكَ يا صفصاف
الماء اشتاق إليكَ الماءْ
الزرقة لا يمكن أن يرسمَها الماءُ بغير صفائحكَ العذراءْ
والضفة لا تعرف شكلَ الإلفة إلا مغموراً ظلُّكَ في الماءْ
نهرٌ يحمل من سنواتْ
أسفاراً
زفراتٍ
غزواتْ
يا أنتَ تصفّ ظلالَكَ عاصفةُ الصيفْ
وتوافيني شفّافَ اللهفة، فتّانَ الطيفْ
هل ساءلتَ غصونَكَ يعبر فيها
بعضُ المسّ؟!
هل لملمتَ جذوعَكَ ثانيةً
وتحسستَ ظلالَكَ مورقةً
وأتيتَ بباقةِ حسْ؟!
يا جارةَ ذاك الغيم تهامِسُ موعدَهُ
وتلامِسُ هيكلَهُ
بظلالٍ كانت خجلى
هل- يا جارةُ- هامستِ غيومي
فلمستِ وجودي؟!
ألْقي ما بظلالِكِ من ثمرٍ، أو زهر، أو طيبْ
ألْقي ما عندك من ألوانٍ
تبهرُ هذا المسترسِلَ في عشوائيةِ
نهرٍ مثقوبْ
هل كلٌّ يركض في سعةٍ من عمرْ؟!
أم كلٌّ يهْربُ من لحظةِ غرغرةٍ
في النهْر؟!
...
هاتي ظلَّكِ، يتساقط فوق يديَّا
شِعراً مائيا
وعنادلَ تصدح في الأحشاءْ
***
حدَّثني- يا جارةُ- ذاك القلقُ العائمْ
أن سوف يجيءُ على الأنهار جفافٌ
يقتلع اللبنَ الأخضرَ من مرقدِهِ
ويحمّل للريح بضائعَها
ويصفّد أنساماً
ويقطّع أوردةَ الإنسان
فلا يبقى في الأرض سوى.. كانْ
يا جارةُ، لا تبقي حبلَكِ فوق الغارب؛
خلف الصخرةِ ذئبٌ يقبع
عيناهُ ملوّنتانْ
ويداه.. ملوّثتانْ
يا جارةُ.. قلبي فوق يدي، أم هي فوقَهْ؟!
ما عدتُ- لكثرةِ أوهامي القلقةْ-
أدرك مَن سيضيّع في الرحلة أفُقَهْ؟!
***
النهر الجاري من وجعٍ
يتدفّق فوق مُدى الأيام
وينهش في رؤياه لحمَ حصار المنفى
يتدفّق من قِمّةِ سَورتهِ
يلفظ من لجّتِهِ النارْ..
فيجيش الرعدُ
وينتفض البركانْ
ويلفّ الصبحُ أغانيه
في دائرة الشمسِ
ويفلتها.. في فلواتِ الحرمانْ
ويلمّ الأعمى أحزمةَ الضوءِ
يسير بها حتى لو في الظلماتْ
لا الليل يخاتل خطوتَهُ في الأرض
ولا حبٌّ يخذله في وطنٍ
ينبض في لحم الكلماتْ
والموج الهابط محراثاً يجتثّ الطاغوتَ
وينتزع الغربانْ
الموج الهابطُ، أغنيةٌ من نارْ
وضفافٌ تعصف ثمّةَ في المجرى
وتزغرد في الماءِ
حصى الخلجانْ