كي يبقى ينبوعُ الحب بعالمنا أبديّا
كي تبقى مشكاةُ النور بأعيننا
تمحو أخطاءَ الرؤيا
تحرق ما في المهجة من ظلماتْ
كي يبقى العالمُ زنبقةً
تفترُّ لطهرِ النسماتْ
كي يبقى الكائن فينا
لا يفسدُهُ بُعدٌ أو قربُ
كي يبقى في الروح مشعّاً
ذاك الحبُّ
كيلا يفترسَ الشاةَ الذئبُ
أتوضّأ كلَّ لقاء
برحيقِ نقاء
فيوحّدنا الربُّ
في لغةٍ نتنفّسُها..
كي يبقى النهرُ يناغي النهرَ
ويشدو في مزهر دهر
يلقى عند مصبّ البحر ذراعاً أكبرَ من خارطةِ الشوق
وأوسعَ من ذاكرة الضوء
كي يبقى ما للأشياء وداعتُها
ما للمختومِ قداستُهُ
كي يبقى ما للعشق وما للتوقْ
ما لعناق العطرِ بوردتهِ من برقْ
كي يبقى ما في أعماق الحجر السادرِ من لغةِ الليلك
كي يبقى ما في أنفاق البحر الهائم من سمكٍ
يتوامض ألواناً ألوانْ
كي يبقى ما في نجمٍ مجهولٍ من أمنيةٍ
أن يتحوَّل شيئاً آخَرْ
كي يتحقّق ما في جمجمة الطائر من رغبات
كي يبقى ما في الظلِّ الوارفِ من نسماتٍ فضّيةْ
من أجل البُقْيا واللقيا
من أجل الرؤيا
أتجاوز ذاتي للكلِّ
وأحزم أحزاني
***
أتوهّجْ..
أتوهَّجُ حتى أُصبحَ بعضاً من ذاتي
أتلمّسُ ذرّاتي
أنفض عنها أمنيتي إلاّ مِن أن أغدو حجراً
في زاوية الكونْ
أو نجماً في دائرةٍ كبرى
أو طيفاً في باقات اللونْ..
أتوسَّل بالورد المتراقصِ تحت أصابعَ فيروزيةْ
لفراشاتٍ ألاّ تُرخي ألوانَ الرقةِ للريحْ
أتوسَّلُ كلَّ صباحٍ
لأنوثةِ هذا الشجر المورقِ ألاّ يهتزَّ لفأسٍ
ألاّ يتداعى في بأسٍ
أو يفرد، طيشاً، لغرابٍ أوراقَ الرُّوحْ..
أتلمَّسُ ناري؛ لا تحرقني
هل تأكل نارٌ ناراً؟!
هل يختنق البحر بماء
ويغصّ الكوكبُ بالأضواء؟!
هل ينعدم الغصنُ الأخضرُ من يخضورْ
أو يرزح صخرٌ
تحت سكينةِ ذرّاتِ الصمت المحجورْ؟!
هل ناء العطرُ بوردتهِ
فتناءى عنها
وتنفّسَها وهْناً
وترامتْ كلُّ ضفائِرها الولهى؟!
أتوهّج من ذاتي
كي يبقى ما في الصدر مجرّةَ أضواء
أسكبها أشعاراً..
من ذاكرتي أفرِد فوق بساطِ الرغبة أشيائي
أتخضّبُ بالأحلامْ
أتلوّى فوق مُدى الزرقةِ..
يتلفني شيءٌ بي إنساني
لا يبقى ما في الذات سوى حلمٍ
يتكسَّرُ تحت سياطِ الآلةْ
أتوهّج في ذاتي
لا تطفئني في الظل ملذّاتي
أبقى ركناً لا يدركه أفقٌ
أبقى نجماً مثلَ نجوم الكون الغاربةِ الأطيافْ
لكنْ أبقى حجراً في زاوية الكونِ
وأبقى ورداً حُراً
لا يتنفَّسهُ إلاّ من في رئتيهِ زوجُ حَمَامْ
أبقى حراً
أبقى.. عطراً
أبقى في سعفِ الأيامْ
سفْراً
يتلو لغةً يفهمُها الظلُّ
ويهجس فيها شجرُ الأنسامْ..
فوق وسائد زرقتِها
تتعرّى الغيماتْ..
أتوسَّدُ ظلي.. يتبعني الظلُّ كحلمي
ظِلي شكلٌ مقلوبٌ في ورقِ الليلِ
أسكب فوق مساحتهِ حلمي
حلمي يتدفّق من ظلي
يخرج من ظلي..
يغدو طيراً يتغصَّنُ أبعاداً أبعادْ
يتقصّد أكواناً وبلادْ
يدعوها كي تأخذَ ظلَّ الحلم إليها
كي يبقى الحلمُ نشيداً
في داراتِ شموسٍ وكواكبْ
***
أتوهّج.. أمسكُ ناري
أدخل بالظلِّ
لكي لا يحرقني غيري
يبقى الحلم، وأبقى شبهَ جزيرةْ
أغدو.. سلحفةً لا تفتأ تحمل فوق توهّجِها
نزقَ الدنيا
وتمزّقَ أكوانٍ بخرائِطها وخرائبها
والدنيا في عجلات الفوضى
تتداعى قلقاً
والعالم -أرضاً- يتنفَّسُ بعضَ عوالمهِ
والأخرى تتفصّد في دمهِ
فإذا ما في الروح سوى الأصداءِ المنفلتةْ
ما في القلب سوى الأسوار
ما في الجسم سوى سمٍّ، وقِرابٍ مكسورةْ
وعيونٍ مطفَأَةٍ..
وبقايا أحلامٍ ملتفتةْ
...
...
أتأبّط ناري
تبعثني نجماً يتراكض ممتشِقاً كلَّ الألوانْ
يومض في الكونِ
يشفّ بداخلهِ قلبُ الفنّانْ.