وتصدَّى صيادُ الظلِّ الواهي لفراشاتي
صيادٌ يبحثُ في طرقات الليل
وفي عبوات الزهر
وفي قنواتِ السيلْ
عن سمكٍ طافٍ فوق الماءْ
أو ثمرٍ هاوٍ فوق تراب الظلْ
صيادٌ عاشَ العمرَ قتالاً
واستشعرَ في داخلِهِ ذاك الغليانْ
فرمى للتقليدِ وللتزميرِ أصابعَهُ
ورمى للظلِ عباءَتَهُ
واستوطنَ في ظلِّ الماءْ..
صيادُ الأعباءِ
على قدميهِ فشلاً باءْ!
يا حزنَ الطينِ على ورقِ التينْ
يا حَسَدَ البلَّورِ من الماءْ
يا حَسَدَ العطرِ الاستهلاكيِّ
من الورد الجوري
يا حَسَدَ الظلمة من ضحكاتِ النورِ!!
.. واستسلمَ صيادُ الخضرةِ
للأفياءْ
ومضى يتهجّد في الأسماءْ
ألفٌ.. باءْ
تلك سعادٌ)، هذي أسماءْ)
وتقدّم نحو مليحته المختارةْ
بثياب عبارةْ:
ـ \"هذي أضمومةُ شِعرٍ قزحيِّ اللفظِ
وتلك إشارةْ
للحب السادر في قلبي
هذي ـ يا فاتنتي ـ أضمومةُ هدْبي.\".
ـ \"هذي أضمومةُ شِعرٍ أم شَعرٍ
تجتزّ بها أمري
تجتثُّ بها عذريةَ فجري
هل هذي من عبقرْ
أم خنجرْ؟!
تبتزّ، تغزّ بها صدرَ المرمَرْ؟!
يا مَنْ تتستَّر بالأفياءِ
وبالكلماتِ المختارةْ
هذي، يا هذا، بعضُ أمارةْ
ورماحٌ كي تقتلني في الظلْ.\"..
ومضتْ في كحلتها
عبْرَ طريقِ الماسِ تكسِّر أفكارَهْ
فغدا يأوي في الليل إلى ليلٍ
يكتب شِعراً نهرياً
ويخضّ مَداه الأحمرْ
***
ذات مساء
جلس الصيادُ يعاقر خمرهْ
قطف الوردَ إليه
وشدّ على إمرتهِ أمرَهْ
وترقّب في ظلّ الوهج
وأطلق في أنحاء الذكرى أشعارَهْ
هتفتْ من دانية الفكر حماماتٌ..
وترندح في الظنِّ ظلالٌ
ـ وفراشاتي لا تجهل بالنظرةِ طورَهْ ـ
جذبَ المزمارْ
وعلى ساقيةِ البلَّور تفتَّتَ قهراً
ورأى في الأزهار فَراشاً يومض ألواناً ألوانْ
جذبَ البارودةَ من يدها
وَحَشَا سترتَها شهوتَهُ
وطغى في الحسِّ، وأوغلَ حتى أطلق من عينيهِ قرارَهْ
فاحترق البارود
وأشعل من جبروت الحقد شرارهْ
أطلقها نحو الماء
ونحو الزهر
ونحو الشِّعْر
فتساقط محرابُ الليل دماراً
وتطاير أشعاراً
وتطارَدَ أطياراً
وتطاوح أطيابا
وذوى في وهجِ الصمتِ حريقاً
وأتى من صوبِ الليلِ
الويلْ..
يا صيادَ الفتنةِ أودِعْها
في فلكوتِ وداعتها أو دَعْها
وتَصَلَّ شعوراً
لا تتصيَّدْ في الظل حماماتٍ
وفراشاتي؛
فأنا وجناح فَراشاتي صنوانْ
وجميعُ حماماتِ الأيكِ خواتي)
لا تدنُ حواراً، أو مِنْ ماء
فُراتي
لا تعبثْ بالنهر وبالموجات
لا تقرأْ زهراً
فترى فيه العُذْر لِغَدرٍ
فالزهرُ لروح الفكْرِ
والنهرُ دليلُ الشِّعرِ
والظلُّ مبيتُ خفافيشٍ
تخرج ليلةَ ليلٍ من فكر الفجرِ
تزعق في صمت النهرِ، فيخفق مرتعشَ القطْرِ
يا صيادَ الليل كَفاكَ، كفَاكْ
فالعمر الضاربُ في فلواتِ الحربِ هنالكَ فاتْ
هل ما كفّاكْ
أنْ تقرأَ في دربي
أنَّ خُطا تتبعثر عندَكَ من ظلٍّ؟!
وأنا ما زلتُ أعبِّدُ دربي
كي أعبرَهُ
وأوسِّد في جنبات الورد ورودي
وأطالع فكري
في زهرتِهِ
وأقابل جنّياتِ الفكرِ
وحورياتِ الماءْ
وأحدّث أزهاراً
وفراشاتٍ
عن أملي أن تنسحبَ الدنيا من شهوتِها
وتنام على ساعدِ حُب
فأخضِّر من دمعي خطوتَها
وألقّح دمّي(1) من دوحتها
وألقّح بالشِّعرِ
كؤوسَ الزهرِ
وأنبتِ مثلَ نباتِ الفكر طبيعياً
لا أتكلّف صبحاً
ينشقّ على شفقٍ
أو أفسِد ليلاً
يتعكّر من غلسٍ أو غسقٍ..
...
يا كلَّ فراشاتِ الأيكِ، النهرِ، النور، الشعرِ، هلمّي
نحوي
وخذي من قلبي قصباتِ السرِّ
وَهِيمي
في فلواتِ الشِّعرِ
وشقّي أفقَ الأنداءِ
بومضِ الحسِّ الرحمانْ
قومي.. نحو ضفاف اللهفةِ
ضمّي من شفتيَّ نشيدَ الليلكِ والريحانْ
فسلامُ الشِّعر عليكِ سلامي
من بدءِ البذرةِ، في ماء التربةِ
حتى تغدو زهراً في الأكمامِ
وسلامي وخزامي
لرؤىً تنهلُّ أمامي
لا تلمح صياداً في الغابة
إلا تابَ وصار إمامي..
يا صفوةَ بالٍ في النهرِ تنامُ
على جريانِ عذوبتها
يا ضوْعةَ طيبٍ تذكو
في خاطرةِ الكأسِ العطريِّ
وتنساب أغاني
في ألحاني
يا سرحانَ فراشاتٍ
في رفّةِ أجنحةٍ
لتصافحَ في أفق الأفق وداعتَها
يا صلواتِ الهدْبِ على هدبي
تنهلُّ كتاباً في الصدرِ
دمتِ طباعَ الوردِ
بأعماقي
ما شفَّ بداخلها
إلاّ من طبعي الإنسانيِّ
سلامي..
فظلالُ الحُسْنِ بأعماقي
تنْقل كلَّ جَمالِ الروحِ لأحداقي
فأفجِّر فيها
ماءَ الشِّعرِ
وأشرب من دفْقاتِ سواقي السِّحْرِ
سلامي..
تطفو فوق الماء سطوري
أعذبَ ما كتبتْهُ
خلجاتي
أعذبَ ما نزفتْهُ
بحوري