من شرفات الورد
إليكِ ينوس القلبُ
كناقوسٍ قدّيسٍ
أوغل في العشق
وأومأ لله
بكفٍّ بيضاءَ..
وأخرج من دمه
نهراً
ورمى في النهر توابيتَ العشق
وجدّف في الضفة
لا يلوي شيئاً
إلا أن يرحل صوبكِ
في عتمة هذا اللوحِ
المحمولِ على كتف المجدافْ
موسى يا موسى
هل جدّف في يمّ الدمع سلامُ الأخوةْ
وأراق الدمَّ
فلا أمٌّ في الحوضِ السادرِ إلاّ وبكتْ موسى؟!
وأنا يا آسيا
زكريا
هجرتْني أمُّ قُرانا من قريتها
ونسجتُ من الديمة أثوابَ العزلة
أبكي فوق
براكينِ اللهفة
تسقط دمعاتي
من شرفتها
تصدح أرضُ الصحراء
بزهرٍ
يمتدّ إلى شجري الواقف في شرفتها
ويبارك إطلالَ العطر على عنقي
ويعانق إكليلَ الزهر
بلا عتق
وأنا يا ليلى الليلات
هنا
من وقتٍ يتمخّض بالألوانْ
ويمرّغ خدّيه بورد أغانْ
***
يا شرفتَها حين أطلّ إليها من نبضة إحساسي
يا أخضرَها
ما أمطرَها عطراً تلك الزنبقةُ الترفعُ هامتَها
لتعيدَ كياني في زمنٍ يكفر بالزنبق
والنرجسِ
والآسِ!!
يا ورديةَ وعدٍ أدخلني حسُّكِ
في ملكوت البوح
أسافر من دوني
أترك كلَّ صفاتِ الطين
وأدخلُني من قلبي
ألحظني
فوق يديك كتاباً يتنزّل
بالأشذاءِ
وبالألحانِ
وبالأفياءْ
***
يا أسعد لحظةْ
حين أسافر في زمني يتكثّف في قارورة نبضي
كشذا
ورحيقٍ
أو مسكٍ
أو حين تجنّ النقطةُ إن غابتْ عن غابة يقظْة!!
***
قفْ يا شباكَ لياليها لحظةْ
وتأمَّلني
هل جئتُ إليكَ وفي أهدابك ريبٌ
أمْ في أوصالِكَ
شيءٌ يترك للمصراعين وساوسَها يقظى؟!
قلْ يا شباكَ منامتها
هل عَوْدٌ كان إليها
أم عُودٌ رنَّ بأوتارٍ
فأفاق الخشبُ
وجنَّ حنينُ الغابة
للينبوع
وجنّ الينبوعُ إلى قطرةْ
من غيثٍ مرَّ
بخاطرِ أفقٍ مَرَّةْ؟!
يا أرهق فكرةْ
حين تطاردني في الخضرة والألوان شِباكُ النسمةْ
أنا صغتُ جناحي الشفّافَ
وطرتُ إلى أقصى ما سكنتْ في البالِ مجرّةْ
هل أدركتِ مدى أن يرحلَ هذا الحسُّ الشاعرْ
ويجيء إليكِ
وقد عاد الكلُّ إلى منزلهِ الواكرْ؟!
هل أدركتِ ملامحَ أطيافي
وسكنتِ مواسمَ صفصافي؟!
في قلبي مدّي أحلامَكِ هازئةً بالريحِ
وبالأقدارِ..
في قلبي طيري
فحقولُ حروفي جنّاتٌ واسعةٌ
وقوافٍ ناهلةٌ
وغلالٌ وقوافلُ أزهارِ
نام الشُّطَّار أيا ليلى
وشواطئنا توقظ في البحر مياهَ الموج
ومجدافَ الوهجْ
قومي.. فالزمن الآتي زهرةُ هذي الدنيا
وأنا
وهواكِ
وهواؤكِ
نقذف للبحر مجاديفَ النشوة
نمخر عبر قتام الوقت
ونرفع للأفق شراعَ
الشّعرِ
ونرسم في أفواف الغيمِ
فراشاتِ البوحِ
هلمّي
فالوقت أنا والوقت هنا
نتهاطل فيكِ لنأخذنا
في فلكوت الدهشة
نعبر بوّاباتِ الحلم
ونسفح من ترياق الشهد
غماماتٍ
تتورّد كلُّ البيد
ونشهق بالحبق المتوسِّد أعيننا
يا الله..
وقد أدركْنا
أنّا من خمر الرعشة في كأس النفس
نحسّ بدهشتنا!!
ما أوحدَنا
حين الوقت يبسْمل فينا صورَ الشوق
ويقرأ فينا سورَ التوق!!
يا أحلى كأسٍ يرشفنا
من نشوتنا!!
ما أورقَنا في شجر التوقْ!!
ما أغدقَنا في نهرٍ عبقٍ
يستلُّ من الماء صحارى البعد
وينشرنا
في ماء البوح
تباشيرَ كتابٍ منفردِ اللغةِ
منتظمِ اللهفةِ
ملتحمِ الكلمة
في سطر رحيقٍ ورحيلٍ
في ناقوسٍ إنْ دقّ نهزّ لهُ
أفئدةَ الوردِ
وأفياءَ العطرِ!!
أنا فيكِ الحسُّ
وأنتِ حساسينُ العفّةْ
وأنا صنبورُ الشوق
وأنتِ ينابيعُ اللهفةْ
يا أنتِ دمي
ورحيقي أنتِ
وأنتِ فمي
دُرّي من دوران الشمس
وقَرِّي
في أجفان الحسِّ
وطوفي
في أفياء الهمسِ
أنا منكِ، وأنت مدادي
ونشيدي أنتِ
وأنا إنشادُكْ
ترتيلي أنتِ
وأنا عبّادُكْ
يا وردةَ عشقٍ
في رأس الكونْ
يا دوحةَ شعرٍ
في عطر اللونْ
يا فردوسَ الصوت ويا نفحات البوح
أراكِ بدالية الشبّاكْ
زخرفةً
تتسرّب من خلف شِباكٍ، وشِباكْ
يا أنتِ
خذيني
واستبقي مني
ما يجعلني أكتب
أكثر من فني
فهواكِ هواء
وسرورُكِ نورْ
وعصير رحيلكِ
موّال
وشراعٌ نوّار
وندور بفلْكتنا
وتدور مسافتُنا
وتتيه وتتعب أزمنةٌ
وشعور الإلفة ليس يبورْ
يا أرفع قِمّةْ
في زمن السطحِ
يا أومضَ شرفةْ
في زمن العتمةْ
يا قُبلةَ كلمةْ
في عصر بغاء
يا أنضرَ لوحةْ
في مرسم عالميَ الكوني
...
كُوني.. أو لا
فشُعورُكِ كان
وكنتُ شعوري
كوني.. إن شئتِ الحريةَ
وأنا إن شئتُ أكون
العصفورَ الدوري.