في شاطئ فكري
يتماوج زورقُكِ الفضيُّ، ويهزج بالأمواج
ويدفع للريح رسائلَهُ
وأنا في عزلة صحوي
أتضاوأ بالشمسِ تشعّ على أشواكِ الموجِ
كنجمٍ في عزِّ الظهر
يخربط زاويةَ الرؤيا
ويكهرب مرآةَ اللقيا..
في شاطئ بالي
يتناسج إنساني المقلوبُ على نبضات رؤاه
وأنا في فكركِ ذاك اليمّْ
وأنا في بحركِ ذاك الفكرُ
وأنتِ الفكْرُ، وأنتِ فراق الحُرِّ
بساعة سلْم
ورجاحةِ حلم
يا مَنْ يشتاقُكِ من شوقي دمْ
يتصاعد في نبضي فأحسّ به إيقاعَ اليمْ
دُمْ..
تَكْ..
يمٌّ.. يغرقُ
زورقُهُ ينفَكْ
وأنا ما انفكّ دمي
من دميته
ما اعتاد على عادته
إلاّ اختلجتْ في مجراه جميعُ فُلُكْ..
***
أرتاءُ لحاظَكِ
أرتاحُ لديكِ، وأومئ للأطيار: هلمّي
للظلِّ إليّ
ولا تدعي أفكاري
يا أطياري
دون شراعٍ أو أوكارِ
فربيع اللحظة أشعارٌ
وشعورُ اليقظة أزهارٌ
وشعورُ الشِّعرِ مذاقُ..
يا قافلتي.. إن مرّ سنونو الشِّعر على خاوية الروح
أقيليني من عثرات البوح
وقومي لي
فأنا في حضرة ذاك الهودج عرّابٌ
أو نسَّاكٌ
أو توّاقُ
***
من مقلة قلبي يتطاير شِعري
وأحسّ ملائكةَ الريحان
تشيّعني
في نبضي حتى توصلني في الشوقِ إليكِ
ومن ثمَّ لترْجعني
كيلا أتأذّى
مِنْ وخْز غبارٍ
أو مِنْ زخّ بخار..
أتأبّط فيكِ شعوري
أحمدني أن عشتُ ملاذاً
من فجر حضوري..
يا زنبقة الرؤيا
يا زاهدةً في كل بريقٍ في الماء
وفي كل رحيقٍ في العنّابْ
هل ذقتِ رحيقي من كحلِ حريقي
في صحو طريقي؟!
***
يا نصفَ الفستق في يدها
هل تحمل نصَّ القلب إليها
أم هل تنقل نصفَ اللبّ
ويكتحل المعنى
تحت غطاء الشفةِ اليمنى؟!
كلُّ سواقي العمر سواها صحراء
وصحاريها حين نكون معاً
تنقلب الدنيا من أحرفها نحو ظلال يديها
وتنام بجفنيها
غَنَّاءَ الماءِ
ورقراقةَ بالْ
يا عينيها.. كم تغرز في لحمي اليابسِ أهدابا
فيفتّح جسمي نبضاً
رعشاتٍ
وأغانيَ خضراً
وسماءً تمطر أسراباً، أسرابا!!
***
مِن فَتْكِ سواها
أرشدني قلبي أن أمضي بجميع لوائح عمري
نحو هواها
ولها أعرض كلَّ حروبي
عثراتي
ولها أخفض جفني
ولها يشمخ صمتي
فيصير سكوتي شجراً.. يتنسَّمُ من قَطْر صداها
وأعرّش في صمتي
نحو رؤاها
فأراني ثمّةَ عصفوراً أسبقُني
وأراكِ أراني
في الفننِ
لا لحنَ سوى لحنِ الشجنِ
المتضوِّعِ
منكِ، ومني
***
هل خامر عزْلَتَنا نصُّ غوايةْ
أم سَرْدَحَ أهدابي
منكِ بدايةْ؟!
فأراني أنتِ
بلا لمسٍ
وأراكِ كأني أنتِ
بلامسِّ
فإذا رأسُكِ رأسي
وإذا كأسُكِ كأسي
وإذا ثغركِ ثغري
وإذا فنّكِ فني!!
كلُّ نبيذِ العالم لا يسكرني
كلُّ بحارِ العالمِ لا تغرقني
كلُّ رحيقِ العالمِ لا ينعشني
كلُّ مَدى العالم لا يستوعبني
إلا عينيكِ وحبَّهما
فهما الكأسُ
وهما الحسُّ
وهما الوقتُ يدور بتوقهما عتْقي
وهما في خصْب اللحظة من حقّي
فدعي عينيكِ
أمدّهما
من نسْج جبيني
ودعيني
عن نهر حنيني
أغرف للمركب تكويني
فأنا الرّحال بما لا أعرف من فتحٍ ريحانيّ
وأنا الحال إليكِ
كما تتخبّط رعشتُنا في كأس اللحظة
من شرفِ النبضةْ
من حدقِ الومضةْ
***
من شرفات تأمُّلِنا
يتمدَّد أفقُ الحسِّ
ويغرف من ماء الآفاقِ
حليبَ البهجةِ
يرشف في دعةِ الأسرار
جرارَ الفطنة
تصحو في الذات أواني العطر
وتنكشف الأعماقُ
أمِن خمرتِهِ هذا الحسُّ أفاقْ
أم إنَّ شواردَ شادنِهِ
فاقتْ كلَّ رفاقْ؟!
يا طوبى لي -يا ليلى التوبادِ-
أن أركبَ ثلجَ القِمّةِ من حدْقةِ ناري
وأميط لجامَ دخانٍ
يلتفّ على عنق الوادي
فأكلّلهُ بشريطِ عبيري أو غاري
كم -يا ليلى- غصَّ الجبلُ العالي
في سقف الأفق
وما وسعتْهُ عِناقْ!!
كم راوده الأفقُ المترفُ عن هامتِهِ
فتفجَّر ذاك الجبلُ الشاهقُ..
من شُعَلٍ
غمر الأنحاءَ بطلتِهِ
واشتعلتْ فوق رؤوسِ الأوديةِ الأبخرةُ البيضُ!!
ومن قمتهِ هذا الجبلُ الشامخُ ضاءْ
يا ليلى، وكذاك أنا
من قِمَّةِ إحساسي
يترندلُ شِعري بالأوراقْ
ويُلَوْمحُ نبضي الراعشُ
بالترياقْ
فأعيريني بعضَ الكأسِ
لِتَرَيْ نفسي
فأنا لم أجْنِ الظلَّ
ولكني
عشتُ لظلٍّ
أو عاش الظلُّ بظلِّي
فإذا نحن ظلالٌ
وإذا نحن كيانْ
وإذا ما كان يُكانْ
وإذا ما شاء الشِّعرُ، التوقُ، يكونْ..
من كل خيام الشوق
تكرُّ إليكِ جميعاً غزلاني
وسهولُ الفطنة تقذفني في الوقت إليكِ
وسهوبُ اللوحة فاتنة تحضنني في جفنكِ راعشةً
فأبدّع من ترف الورد غصوني
وأنا يا لونَ عيوني
لا هَمَّ، أَفاقَ الوردُ جنوني
أم كان الوردُ سجيني
فأنا أسكن في لمح البصر الأشهى
وأنا أقطر من قلبي
وأنا أمتح من حبي
وتقول الحورياتُ، تدغدغ خاصرةَ النهر بشِعري:
هل أنبأكَ الصفصاف
وهل نقلتْ أخبارَ العاشق أفلاكْ؟!
وتراءى النرجسُ
في الماء هناكْ..
ماذا.. لو ليلاكْ
ما بانتْ في شِعركَ
هل كنتَ هناكَ
ترجّ سطوحَ الماءِ برعشةِ أهوائكَ
أو نجواكْ؟!
هل نزقُ الضوءِ الراعشِ أنباكْ
أم كنتَ تطوّف في الأنحاءِ
بغير هداك؟!
***
يمضي المركب.. في أُفقي
ويودّع عند جزيرة أفكاري
أزمنةً
أشرعةً
أرغفةً
من ياقوت الحلمِ
وتومض في بلَّورِ الضوء
مجاديفُ حروفي
فأراكِ أراني
من بدء السفرِ النازل للبحر
بلا قدمينْ
وأراكِ أَراني
سبحَ الوجدُ بصدرَيْنا
سبّاحُكِ يرعاكِ..
من كل عِراكٍ وعُراكِ
قد عرّاكِ..
فإذا ما رمتُكِ لي رمتُ هواكِ
وإذا ما خفتُ عليكِ
صمتُّ لديكِ..
وأَطْرَقَ كأسي
في رأسي
وأدار الحالةَ في همسِ
وإذا ما قصّرتِ لحاظَكِ عني
أرفعُ كأسي
من رأسي
وأعود إليكِ، يعود الماءُ الصافي يجري كالأمسِ.
هل ذاق الشهدَ هواكِ
هل ناجاك القمرُ الواجدُ
في أفق سوادِكِ؟!
هل عادَكِ حين مرضتِ
فأسعفَ نبضَكِ بالنسماتِ
وكحَّلَ عينيكِ بماء الزهر
وهل دون ضجيج العالم واساكِ؟!
قولي، ماذا يحدث لو غاب النابضُ في الخافقِ
هل تشتدّ القوسُ وتنطلقُ الإشراقاتُ إلى الدنيا؟!
هل نصْفُ الدنيا حبٌّ
ورحيلٌ نصفُ الحبِّ الآخَر؟!
هل يتَبقّى للنبض وَسِيعاتُ الحلمِ
ليلْهِمَ هذا الحَوْرَ قواماً حلواً
وزرافاتٍ تسعى لعيون القِمّة
تهمس للأخضر ضحكتَها
فيموسقُ هذا الأفقُ المتخاصرُ بالحَوْرِ
نشيدَ اليقظةِ
فتّانَ اللفتةِ
مسحورَ العنقِ؟!
أمدّ ذراعي.. تستقطب
عنقودَ
الضوءِ
المترع
بالآفاقِ
لكنْ.. تستغرق
إطراقي
حين أمدّ إلى عينيها ينبوعَ وجودي
فأنام بلا جفنٍ
وأناغي روحاً
من روحي
وأفاتح، نبضاً، ملكوتَ الوافرِ من صدري
فتعرّش من قصبات الروح مواسمُ شِعري
وتخيّمُ أشعاري كلَّ مدار
وتعرّش كفّاكِ جبيني
تقطف من فكري ثمري
فأبادلها سفري..
وينام الشوقُ بلا غصصٍ
فوق دوالي المطرِ..
نغتسل اللحظةَ يا لَيلى
برحيقِ شعورٍ
أفركُ من نعناع الشِّعرِ
أدير الكأسَ الناعمَ من وجدي
نتراحق وجْدَيْنا
ونغيب.. بعالمِنا السحري