وأعودُ إلى أدراجكِ دوّارةَ شمسٍ
وأفتِّش في شريان اللحظة
عن لوني
عن لونٍ يطمر في الغمضِ عيوني
عن غمدٍ يغبطني
حين تسرُّ يداها رعشةَ رعشَتِها
فتفيضُ الروعةُ من روعتِها
وتغصّ القبلُ الدالّةُ من داليةِ الوصلِ
على أصصِ الغصّةِ حين تُسَرْبِلها
في جفنيها
كفُّ الرغبةِ من جفوتِها..
يادرَجَ الزنبقِ حين يلفّ على معصم خطوتِها
هل سردَ البوحُ حكايتَهُ
وتلفّظَ بالياقوتْ؟!
يا أنتِ الحلوةُ كيف تفوتين عليَّ
وتينُ الفطنةِ
ما أسكرَ صاحبَهُ
إلا أنْ كدَّسَ في الأعماقِ شواردَهُ.
يرتجّ البحرُ على نانرج الأفقِ
ولا يرتدّ الشوقُ على ساحلِهِ
من زرقة عينيهِ
إلى شفقيِّ وداعته
من طوفان البعد الغارق في يمّي
من لحظاتِ تأمّلِ أنملِ عيني
مني..
من شرفات الصاحي الغائبِ
من شهقاتِ طحالب ماءٍ في الركنِ
من جفني
من وعدِ الودِّ
نزولاً في بحر المدّْ
أتجرّأ في زاويةِ الشوقِ، وأهمسُ في خابيةِ التوقِ
وأجرع من كاساتِ الوجدْ
هل من جمراتْ
تحطب هذا البعدَ وتنقلُهُ من غليانِ الشوقِ
إلى أبخرةِ الأفقِ
يبدِّد ضوضاءَ الغمراتْ..؟!
آهٍ.. آهْ
يا زمن الحسن يراهنني أن أذبحَ في وضح الشوق عيوني
وأُصلّي في فلواتِ الصحو سكوني
وأواصل ترتيلي
من أعلى تنزيلِ
... ....
وأكاعب في الروحِ طفولةَ نهدَيْها
وأمالح شدقَيْها بملاحةِ عينيها
يا عينيها
حين تجلجلني نحو يديها
يطفو حببُ النّرجسِ من كفّيْها
وأطافح عشبَ الهودجِ يعلو في ماءِ اللحظةِ
أطلع منها وإليها..
فسلامُ.. سلامْ
الشوقُ تأزّرَ من معصمِها
أرخى للجفنِ المولهِ بعضَ الأحلامْ
فاشتدّ السهلُ
وقام على أجنحةِ البرقِ كقوسِ غمامْ..
هل نام الوجدُ بعينيكِ
وزغردَ في صحوهما زوجُ حَمامْ؟
أم قام إليكِ الوجدُ
وأغمدَ في زنبقكِ الماءَ
فعامَ الماءُ
وخضّ العطرَ بوردتهِ
وكسا خضرتَهُ بعضُ خزامْ؟!
***
يا مَنْ أسرجتُ لها حلمي
وعرجتُ بروحي
من رمح الوقت إلى روحي
وكتمْتُ سطوعي نحو الموجْ
ومجْتُ بشوق الشوق
وماج الوقتُ لديَّ.. ومادْ
ودلفتُ لأفلتَ من لهفي
لكني في اللوحِ وقعتُ
وسرتُ جريحَ الحفْظِ
وصرتُ نزيحَ اللحْظِ
أهشُّ على يقظى الأجفَانِ بخَيْلي
كم تركتْني في الساح
رغيفاً من فاكهةٍ ريحٍ ورياحْ!!
فأباح الشاطئُ مرميّاً
ما لفظ اليمُّ بلؤلئهِ
واختلجتْ في دورقِها شطآنُ البَينْ
وأنا من بَعد البوحِ أُصابحها
فأنا في الشوق أصابعُها
وأنا في البوحِ أُعاصِبُها
وكلانا يسعف في نجدتنا
فإذا ما الشِّعرُ تمرمرَ في مرآةِ الذاتِ
وَلمْنا الروحَ له خبزاً
وعلى بوّابتِهِ الثكلى نمْنا..
مالمْنا أحداً من أحدٍ قطُّ
ولا اصطدنا أحداً في الظلِّ
ولا أَوصَدْنا أحداً في البابْ
كنّا في الزمن المجبولِ بأعظمِنا بيتاً
للأحبابْ
كنّا في المزْنِ المجهولِ الطلعة من محراب الغيثِ
سَحَابْ..
ما ذنْبُ الحسْنِ الهادبِ أن يلحظَنا
ونباغَتَهُ في أعيننا!!
فإذا ما زالَ الطرفُ من اللحظاتْ
لا ينفعُ ودٌّ
حتى لوكِلْنا في الميزانِ عظاتْ..
من وقتِ تناجيْنا سرّاً
وزّعْنا للأرضِ فواكهَنا
وطمرْنا في زنّار اللحظةِ لوعتَنا
ونسينا نصفَ الأرضِ يدور بمعصمنا
والآخر يجري في دمنا
يأتمرُ الوصلُ بعفّتنا
ويفوتُ الوقتُ نلملمُ من كوكبنا
أشلاءَ صباباتٍ
ونلمّ من البوحِ موائدَنا
ونعاقر كأسَيْنا بالماءِ
ونكْسر بالماءِ تمادينا
ونقسّمُ بالكاساتِ قوافينا؛
فلَكِ القافيةُ النّباضة عشقاً
وليَ الخافقةُ الأرض
لكِ القاعُ، وفيه نبقى
وليَ الخافتُ من قاعاتِ الشمعِ
لنا هذا الحسْنُ الرائعُ كي نرضى..
يا مَنْ تتفتّحُ تحت سطور عيوني
وأماوج من نبضات الحسِّ
رغيفَ النَّبغِ
ولا أبغي
إلا أنْ أفتحَ في دورانِ السفحِ
مروجَ الصبحِ
وأملأَ بالتبّانِ دروبَ التِّبر
وأغزلَ من عينيكِ نشيدَ السرِّ
وأضفرَ في نهديكِ علامةَ نسغي
فيدور بصدرِكِ قلبٌ طفلٌ
ويهمّ بوقْعِ وصايايَ الخمسِ ويصغي:
ألاّ يأكل من وهج النار سوى من وهجي
ألاّ يمْذق من نهْد الحزن سوى من مُزني
ألاّ ينسج من وهم الطين حكايتَهُ إلا ّمن وقْعي
ألاّ ينهَدّ على شفقٍ ألماسيٍّ إلاّ من شغفي وشعوري
ألاّ يرتدّ لغير عبيري وعبوري
آليتُ إليكِ فضمّيني
وكتبتُ إليكِ فضمّيني
ورسمتُ إليكِ، إليك خذيني
أنا لوحةُ إحساسٍ
ويداكِ إطارُ جميعِ مساحاتي
أنّى أرسلتُ تلاويني
عادتْ من سِفْرِ اللونِ الشارد فرشاتي
وأنا ـ يا ليلى ـ مثلكِ في اللوحةِ
طيرٌ هامَت بعيون الأفق فثبَّتَها الضوءُ على سطحِ الخشبِ
وكلانا بعضَ الوقتِ يحسُّ بخوفٍ
من داليةٍ، تمتدُّ عروشاً ، دانيةٍ
لكنْ من عنقودِ اللمسةِ في شغبِ..
حول اللوحة ـ يا ليلىـ
يقف العالم
يتأمَّل فيها
لا يبصرها
فيقلّبها ويعرّيها ويغرّبُها
ويدير اللوحةَ من كل جهاتِ الرؤيا
ويدور بعينيه في اللوحةِ
لا يبصر إلا... لغةً أخرى.
... ....
اللوحةُ نحنُ عوالمُها
فيها يتكدّسُ ليلُ بنفسجِنا
واللوحةُ من عينينا تشرب ألوانَ تفتُّحِها
وتفضُّ جميعَ وساوسِها بمياهِ اللونْ
تنفضُ كلَّ مواجعِها
في لحظةِ.. عين.