نَفَخْتُهُ حتى تَوَرَّمَ تَمَامَاً
وحينَ أَطْلَقْتُهُ
طَارَ كالريشةِ في الهواْ
وراحَ يَزْهُو فوقَ رَأْسي
بِكُلِّ ما لَدَيْه من خُيَلاَءْ
تُرَى.. هل نَسِيَ السَّيِّد بَالُون
أَنَّهُ طارَ بأَنفاسي؟!
لا مبالاة
كانتْ تلهو بِكِتَلِ الثَّلجِ
التي تُشْبِهُ قَلبَها تَماماً
وما يُؤَكِّدُ لي وَلكم مِصْدَاقيةَ ذلك
أَنها كانت مُسْتَغْرِقَةً في اللعبِ
إلى درجةِ أَنها لم تَكْتَرِث
لِنظراتي
للمرة الأولى
وَرَأَيْتُها لِلمَرَّةِ الأُوْلى
تلهو بِكِتَلِ الثَّلج مِن بَعيدْ
وَللمرَّةِ الأُوْلى فقط
وَدِدْتُ أَنْ يَكُونَ قلبي
كِتْلَةً مِن الجليد!
السقوط
تُفّاحةُ الجَسَد
دَخَلَتْ طَقْسَ النُّضْج
وأَشْرَفَتْ على السُّقُوط
شُدّي الأَحْزِمةَ أَيَّتُها الرُّوح
لِلقَفْزِ بالمِظَلَّةْ
الفقر
قَرَّرَ أَخيراً أَنْ يَقْبُرَ الفقرَ إلى الأَبَدْ
فَدخَلَ السُّوقَ مِن..... أَبوابِه
باعَ، واشترى
ثُمَّ باعَ.... وباعَ
وكانَ آخِرُ ما ضَمَّهُ إلى قائمةِ المبيعاتِ كَرَامَتَهُ
وحينَ حَفَرَ حُفْرَةً، وأرادَ أَنْ يُواري الفقرَ
مَثْواهُ الأخير
سَبَقَتْهُ قائمةُ المبيعاتِ إلى القبر
لِتواريَ آخِرَ ما باعَه
تشويه طبيعي
دَخَلَ الرَّجلُ ذو الحِذاءِ العسكريِّ...
إلى غرفةِ النوم
وبكاملِ لباسِهِ العسكريِّ...
استلقى على السَّرِير
وحينَ نَظَرَ إلى المِرْآةِ
وهي تعكسُ صُورَتَهُ
مِن أَخْمصِ حِذائهِ إلى أَخْمصِ رَأْسِه
رأى حِذاءَيْنِ ضخمينِ
ورأساً صغيراً...
صغيراً جدّاً
تنهدات البحر
منذ أَوّل مَرَّةٍ نَزَلْنا فيها البحرَ يا حبيبتي
أَطْلَقنا أَنفاسَنا المتلاحِقَةْ
عَبْرَ سَكينةِ صَدْرِه
فاضْطربَتْ أَمواجُه
وَتَعَلَّمَ مُنذ ذلكَ اليوم
كيفَ يُطْلِقُ التَّنَهُّدَات
برج القمر
حينَ طلبتُ يَدَكِ
يا حبيبتي
قالتْ لي أُمُّكِ:
\"البِنْتُ لم تكتملْ بَعْد\"
ومنذ ذلك الحِين، وأَنا أَنْتَظِر
على أَحَرِّ مِن الجمر
وأنا على ثِقَةٍ
مِن أَنَّ يوماً ما
سَيَكتملُ القَمر
تضحية
حَمَلَ الشمسَ بكلتا يَدَيْه
نَتَقَهَا بِقُوّةٍ رَفَعَها إلى السَّماءْ
وَفَجأَةً.. أَتَتْهُ طَعْنَةٌ مِنَ الوَرَاءْ
فَسَقَطَ مُضَرَّجَاً بالنُّور
و... بَقِيَتِ الشمسُ في العَلياءْ
قنديل أمي
كنتُ إذا خرجتُ في الليلِ وحيداً
يَبزغُ قنديلُ أُمّي في الظلام
كالكوكب الدُّرِّيّ
يُبَدِّدُ عن طريقي الخوفَ والوَحْشةَ
وَيُسَدّدُ خُطواتي في دُرُوبِ القريةِ الوَعِرَةْ
واليومَ، حينَ أَسيرُ في شوارع المدينةِ ليلاً
أَرى أُمّهاتٍ على طولِ الطريقِ
يقفنَ على ساقٍ واحدة
وفي يَدِ كلّ واحدةٍ مِنْهنَّ، قنديلُ أُمّي.
تصنيع
في مَعْرِضِ الزُّهورِ الصّناعية
وَقفَ يتأمّلُ مهرجانَ الفتنةِ
وهو يزهو بتقنيّةِ تصنيعِ الجِمالْ
وفي مشهدٍ كرنفاليّ تَمّ اختيارُ...
مَلكةِ جمالِ الزُّهورْ
وكَادتْ عَرائسُ الزّهر تَأْسِرُ قَلْبَهُ..
في خريفِ العُمر
ولكنْ ثَمَّةَ شيءٌ افْتَقَدَهُ..
شيءٌ يُدْعى أُنوثةَ الزَّهْرَةْ
الثور والمنديل
لَوّحَ لَهُ بالمِنْديلِ الأَحمرِ مِن بَعيدْ
فاشتعلتْ عيناهُ ناراً
وانطلقَ كالسّهمِ باتّجاهِ خَصمهِ المنديلْ
وعلى عِلمهِ أَنّهُ ما أَخطأَ الهَدَفْ
وعلى عِلمِه أَنّهُ قدْ أَنْشَبَ قرْنَيْهِ..
في صَدْرِ خَصمهِ المنديلْ
لكنْ.. ما كانَ في عِلمهِ..
أَنّ ثَمّةَ يَدَاً مُفْتَرِسَةً
ستَنْقَضُّ عَليهِ من وراءِ المنديلْ..
لِتَغْرِزَ رُمَحاً غادراً في ظَهْرِهْ..
قراءة في مذكرات ديناصور
قَبْلَ أنْ يَلْفظَ آخِرُ ديناصُورٍ أنفاسَهُ الأَخيرة
كانَ قدْ كَتَبَ مُذَكّراتِهِ على ضلوعِ الصّخْر
وأودعها بُطُونَ الكهوفْ
وبعدَ أنْ قرأْتُ مُذَكّرَاتِهِ مُؤخّرَاً
تَبَيّنَ ليْ أنّ إحْدَى العَرّافاتِ أنْبأتْهُ
أنّ ثمّةَ سُلالةً مِنَ الدّيْنَاصُورات الجديدَة
في طَرِيْقِها إلى الظُّهورِ في قابِلِ الأيّام
وَعِنْدَئِذٍ قَرَّرَ الانقِراضَ، وهو يَقُول:
لا.. لنْ أَستطيعَ التّكَيُفَ مَعَها!
العجاج
هذا العَجَاجُ الذي تَجرْفُهُ الرّياحُ العَاتِيةْ
يُخَيّلُ إليهِ..
وهوَ يَرْتَفِعُ عن الأرضْ
ويَنْدَفعُ بقُوّة في مَهَبّ العَاصِفَةْ
أنّهُ بَاتَ جُزْءاً لا يَنْفَصِلُ..
عَن جَسَدِ العَاصِفَةْ
لكنّهُ سرعانَ ما تَرْكُلُهُ الرّياحُ بأَقْدَامِها
ويتَلاشى دُوْنَ أَنْ يَعْبَأَ بِهِ أَحَدْ!
التماثيل
بَائِسَةٌ تَلكَ التّماثِيْل
التي تَقِفُ كالخُشُبِ المُسَنّدَةِ في مَتَاحِفِ التّارِيخْ
بائِسَةٌ إلى دَرَجةِ أنها تُثيْرُ الشّفَقَةْ
فَهيَ تَبْقَى واقفةً على الأقْدَامْ
وتَبْقَى مُفَتّحَةَ الأَعيُنِ على الدّوام
وأكْثَرُ مَا يَجعَلُني أُشْفِقُ عليها..
أنّها في الليلِ والنّهارِ لا تَنَامْ..
وهي بالتّالي مَحْرُوْمَةٌ
مِنِ نعْمَةِ الأَحْلامْ
غيرة
مَعَ أَنّ السَّيِّدَةَ حَوّاءَ تَعْرِفُ تَماماً..
أنّها الوَحيدَةُ في حَيَاةِ آدَمْ..
وأَنّ آدَمَ ليسَ رجُلاً مِزْواجاً..
لكي يُفَكِّرَ بامْرَأَةٍ أُخرى
إلاّ أنّها مُنذُ يومينِ فقط قالتْ ليْ..
إنّها تَغَارُ على آدمَ كثيراً
وحين سأَلْتُها: هَل تغارينَ عليهِ مَثَلاً..
مِنَ النّسَمَاتْ؟!
قالت: لا يا حَبيبي..
أَغارُ عليهِ مِنَ الحُوريّاتْ
أمـــن
الحَديِقَةُ آمِنَةٌ جِدّاً..
أَيّتُها الفَرَاشةُ العَشِقَةْ
وكُلُّ زُهُورِها تَهَيّأَتْ
لمُمَارَسَةِ طُقُوسِ الحُبّ
فَعَلى أَيّةِ زهْرَةٍ مُفَخّخَةٍ
سَتَحُطّينْ؟!
سيجارة
العِرَاقُ يَحْتَرِقْ
العِرَاقُ حَقْلُ قَمْحٍ أَصْفَرَ..
يَحْتَرِقُ بسيْجارَةْ
سِيْجَارَةٌ واحِدةٌ تَحْرقُ حَقْلَنا الأَصْفَر
سِيجارَةٌ لَيْسَتْ ككُلِّ السَّجَائِرْ
إنّها السّيجارَةُ الأكْثَرُ خَطَراً في العالمْ
إنّها سِيجارةُ
\"مارلبُورُو\"
شيخوخة
إلى (ي- ع) وأمثاله
ثَمّةَ شُحُوبٌ بادٍ على سَحْنَةِ الوَجْهْ
وثَمّةَ ارتجافٌ في مفاصل اليَدينِ والرّجْلَينْ
وثَمّةَ تَرَهُّلٌ في كُلّ مِسَاحَاتِ الجِلْدْ
حتّى حبَال السِّيْركِ أُصِيْبَتْ بالتَّرَهُلْ
ولَمْ تَعُدْ مَشْدُودَةً كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبلْ
فهل ما زالتَ مُصِرّاً على الرّقْصِ فوقَ الحِبَال
أَيُّها السَّعْدَانْ؟!
النسمة
تَرَفّقِي أَيّتُها النّسْمَةُ
التي مَرّتْ بيْ ومَضَتْ
تَرَفّقي قَلِيْلاً
فَلَقَدْ ذَهَبْتِ
بأَنفاسِي
فضول
بودّي أَنْ أَعْرِفَ ما تَقُولُهُ النّيَازِكُ
حينَ تَسْقُطُ عَلى الأرضْ
بودّي أَنْ أَعرفَ ما تَقُولُهُ الأَرضُ
حينَ يُعَرْبدُ فَوْقَها التُّرَابْ
بودِّي أَنْ أَعرفَ ما يَقُولهُ التُّرَابُ
حين يَعُودُ إليهِ
سَليْلُ التُّرَابْ
عطــر
وقفتْ زوجتي
في لهيبِ الحرِّ..
تكْوي قميصي
وهي بين نارين
ودونَ أن تشعر، هطلتْ قطرتان من جبينها..
على القميص
ومن عادتي، قبلَ أَنْ أَخرجَ..
أن أسكبَ ما تيسّرَ لي..
من قارورةِ العطر
أمّا اليومَ.. فقد اكتفيتُ بما سَكَبَتْهُ زوجتي،
على القميص، من قارورة جبينها
تَحَوُّل
ذلكَ الشاعرُ
يتلاشى يوماً بَعْدَ يَومْ
إنَّهُ يَتَحوَّلُ شَيئاً فَشَيْئاً
إلى قَصَائدْ |