مهداة إلى الشاعر:
عبد القادر الحصني
أَنْهَلُ من ماءِ العرفانِ وأَسْكَرْ
وعلى ظَمَئِي أظمأُ أَكْثَرْ
ودَمَيِ حينَ يُخالِطُ روحَ الماءِ يَشِفُّ
ويُصبِحُ كَوْثَرْ.
***
وما بين سُكرِي وسُكري(1)
تَنَاهَى إلى سَمْعِ قلبيَ صوتٌ
يُرَجِّعُ في نائياتِ المَدَى:
((حَنينٌ.. حَنينْ
أَنا مُفْرَدٌ وحَنينْ
ومِثْلِي النَوَافِذُ
هذا الحِوَارُ المُحَيِرُ
يَعْقِدُ قَوسا على مُستطيلِ الكلامْ
وَيَسْتَدْرِجُ المُطَلقاتِ إلى عَتَبةِ الظِّلِّ
بَيْنَنا المَدى غامِرا كُلَ حَيْثٍ
إلى موعِدٍ لا يَحِينْ
وَظَلَّ المد، بَعدَها، مُجْهِشَاً بالرَّنيْنِ))(2)
فأَمضي بعيداً مع الصَّوتِ
والصَّوتُ يَفعَلُ في القلبِ مالا يُفَسَّرْ
***
أَنْهَلُ من ماءِ العرفانِ وأسكرْ
ومِنَ الكأسِ يَفُوحُ العَنْبَرْ
وَيَدِي حينَ تُعانِقُ كأسَ الماءِ
تُعانِقُها النَّشْوَةُ
وَيُخَضِّبُها لَهَبٌ ياقُوتيٌّ
يُضْرِمُ قَلبَ الجَوْهَرْ
فَيُطارِحُها الليلُ النَّشْوَةَ
ويُجاذِبُها الكأَسَ وَيَسْكَرْ
***
أَنْهَلُ مِنْ ماءِ العرفانِ وأَسكرْ
وفَمِيْ يَعْبِقُ بِشَذَى البَوحِ الأَطْهَرْ
ومَعَ النَّجَوَى تَهْدِلُ رُوْحِي
وَيُنادِمُها القلبُ وَيَسْهَرْ.
***
ومَابينَ نَهْلَةِ ماءٍ وأُخرى
أُغَنِّيِ لِرُوحي ((قصيدةَ حبٍّ))
لها مالها في فؤادِ المُغَنِّي
فَتَشْدو معي الرُّوحُ وَلَهَانَةً:
((أيا أَهْلِي
لِكُلِّ قصيدةٍ أُمٌّ وأَطفالٌ
وَفَأْسٌ تَعْزِفُ الأَعصَابْ
لِكُلِّ قَصيدةٍ وَجَعٌ يُشَرِّشً في ضُلُوعِ الصَّخْرِ
يَلْبَسُ ثوبَ أُغْنَيةٍ وَوَجْهَ كتابْ
لِكُلِّ قصيدةٍ قَلبٌ وشُبَّاكٌ على الأَحبابْ))(3)
وَمِنْ شُبَّاكِها المَفْتُوحْ
أُطِلُّ على فَضَاءِ الرُّوحْ
وأُرسلُ نظرةً ولهى
إلى مَلَكُوتِها الأَنْوَرْ
***
أَنْهَلُ منْ ماءِ العِرفانِ وأَسْكَرْ
ومَعَ اللّيلِ الحَالِمِ أَسْهَرْ
وَأَشْرَبُ نَخْبَ \"حَبيبٍ\"
بِثَوبِ البَهَاءِ مُؤَزَّرْ
وَسَاقِي المَدَامَةِ لَمَّا يَزَلْ
بالكُؤُوسِ يَطُوفْ
وَيَسْقِي نَدَامَاهُ في حَانَةِ الشَّعْرِ
نَسْغَ الكلامْ
والبلادُ التي أيْقَظَتْهُ على الحُبِّ والشِّعْرِ
لمَّا تَزَلْ عندَ كُلِّ شُرُوقٍ
تَذُوبُ حَنيناً إليهِ
وكانَ نديميِ يَحِنُّ إلى زَمَنٍ
فِيْهِ كُلُّ الذينَ يُحِبُّ
وَحِيناً يحنُّ إلى زَمَنٍ
لَيسَ فيهِ سِوَاهْ
فَهَلْ نالَ بَعدَ النَّوى مُبْتَغَاهْ؟
أُسائِلُ عنهُ القصيدةْ
فَيَأْتِي الجَوَابُ:
((أَنَا مُفْرَدٌ مِثلَ قلبي))(4)
و((سلامٌ على القادمينَ إلى القلبِ
مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقْ
أَناشيدَ مُفْرِحَةً وَعَطَاءْ
سَلاَمٌ على وَقْتِهِمْ
أَخْضَرَ الخَطْوَ سوفَ يَجيءُ
وَمُمْتَلِئَاً بالسَّماءْ))(5).
أُسَائِلُ عنهُ،
وفي القلبِ تستيقظُ الهَاجِسَاتْ
فَيَأْتِي إليَّ مِنَ الحَانِ ((صَوتٌ)):
((سلام علي
لقد كرستني جذور البلاد العميقة في الله
أُغنيةَ النَّسْغِ والشمسِ،
حينَ انْتَشَرَتُ قصائدَ خَضْراءَ..
خَضْراءَ
مُفْعَمَةً بالطُّفولةِ والحُبِّ
قُلْتُ: الشوارعُ، لابُدَّ تَعْرِفُني
وانْحَنَيْتُ.. على حَجَرْ
وَبَكَيْتْ
وصوتٌ عَمِيقٌ... عميقْ
إلى قاعِ قلبي تَرَامَى
تَمَزَّقَ مِنْ حَجَرٍ في الطريقْ
يقولُ: سلاماً))(6).
وكلُّ البلادِ تقولُ: سلاماً
لقلبكَ يا صاحبي.
يا شهيدَ ((الطَّريقْ)).