الحلم :
ما كان ليل.. إنما
والدرب يرسم خطوة في البعدِ
تخطر في مداها
كلّ آفاق الرؤى
وتعيد أحلام الحياة
إلى مغاني الأمنياتْ
سهر الندى
في جفن صلصال المسافةِ
وانتهى
في عمق أسرار الوجودِ
ولم يعد
إلا على طوق النجاةْ
فكأن ما بين الحقيقة
وارتعاشِ الحلمِ
آصرةً
تشي برفيف ما قد أرهقته الريحُ
في درب الحياةْ
فسرى على الطيف المدى
وتأخرتْ
عن دربه المسكون بالنيرانِ
أقدار السراةْ
لا شيء إلاّ
الحلمُ
والذكرى
وسارية العبورِ
من الحياة..
إلى الحياةْ
وكأنما
والأفق يرسم في مداه بريشة الآمالِ
آمالَ العناةْ
كان الخلودُ على الخلودِ
شواطئاً
عكست على جفن الخلودِ
مسافةَ
الإيمانِ
والإذعانِ
فانهمر الربيع على المدراجِ
وانتهت
عن لحظة الزيغانِ
أفئدة الجناةْ
فإذا الحياة عريشةٌ
بخمائل الأحلام تشهد ما ترى
في سفحها الأقدارُ
من لهف العفاةْ
حتى إذا انهمر الندى
وتسافحت في الحلم أحلام الحقيقة
وارتدى السفح النضيرُ
سوادَ أفئدة الجناةْ
نزفت طيوف الفجر أنداءَ الصباحِ
فراح يسترق الجناةُ
من الجناةِ
شموخ أفئدة الأباةْ
ويمد طيفُ الليلِ
بردَ الصمت في لهف الدروبِ
فينتضي شغفُ الطريقِ
جنون أفئدة الخطاةْ
ويظلّ في لهف المواكبِ
ما يدور على المسافةِ
إذ يقامر بالندى
ما كان يسفحه البغاةْ
ويظلّ يقتصّ الربيع من الجرادِ
ويقتفي محل الربيعِ
خطا المواكب
إذ يذرّ بركبها
ما كان يرجوه العصاةُ
من العصاة
دربان..
درب للخلودِ
وآخر عبر الخلودِ
يسير أثرهما الخلودُ
على هديل الذكرياتْ
حلم..
وما إن عانقته الروحُ
أغطش وانتهى
رؤيا على جفن المماتْ
النذير:
وَهْناً..
تجرّ ذيولها في النائباتِ
جراح أروقة المصيرِ
وتنتهي
قبل البداية رحلة الأحلامِ
في سفر السنين
تتأرجح الذكرى على شفق النذورِ
فتخنق الإيثار في عمق الزمانِ
وتبتدي
قبل النهاية رحلةُ الخذلان
في نفق الظنونْ
هي لثغةٌ
لا يرطن المأخوذ في لغة الغيابِ
سوى لديها
ثم يدركُ
أن أحلام الطيور قصيّةٌ
لكنها..
يوماً تطير إلى العنانِ
وحين يدركها المدى
تهوي إلى قاع المنونْ
سيّانِ
إن طارت إلى أفق النقاءِ
أو ارتمت
حيرى بلا رؤيا تشعُّ
فإنها
بين الغيابِ
وبين آناء الحضورِ
كليلةٌ
تسعى بلا أملٍ
وتدرك أنها
لا بدّ موغرةٌ بأصداء الأنينْ
وكما تسامت
تنشد الوطنَ المهاجرَ في دماها
أيقنت
أن المسافة بين هجرتها
وبين دمائها
وطن تسوّر بالبنفسج
فانتهى الزيتون في واد بلا زرعٍ
تغربّ.. فارتمى
يمشي وراء اللاهثينْ
وطنٌ
كأن على ركاب جوادهِ
طيفاً
بلا وجهٍ
بلا خلد
يمر كأنه نقعٌ
ولكن
من صحارى الضائعينْ
أرق الندى في وجههِ
وانزاح عن أبعادهِ
صوت الكماةِ
فعاد يزقو كالطيورِ
ولا تنافحه الرجولةُ
فانزوى أنفاً
تراوده حلوم الخائفينْ
وكما تباغته الحياةُ
هوى يباغته النذيرُ
بأن ما قد كان يأمله- غدا
بين النغولة والنغولة
رعشةً
كانت على شبق الطريق غوايةً
من ثمّ أغواها الرقادُ
فأسلمت
ليد الذهول زمامَها
فإذا بها
توق بلا روحٍ
تريد
وإنما
كلّ الذي ترجوه آثارٌ
تخلّفها على الماء السفينْ
وغدا مداها زفرةً
في الليل تنفثها
وتعلم أنها
عادت تلم جراحها
من كلّ دالية تبيح دماءَها
للراغبين على لهاث الضارعينْ
كانت تريد حياتها
ثم انتهت حيرى تريد صفاتها
ثم استفاقت لحظةً
راحت تسابق ظلّها
في ظل درب البائعينَ
وظل درب الشاربينْ
ماذا تردّد في المدى..؟
صوتان
باسم السلم رجعهما
وباسم الخانعينَ
الخائفينْ
النهاية:
لم يبق إلا أن يبادرها السقوطُ
وأين تسقطُ..
وهي في حضن الزناةِ
يباح نهداها كما لا تشتهي
لكنها
اغتُصِبَتْ وغالَ عفافها
شبقُ الزبدْ
هي قصة الأقداسِ
مهد النورِ
لكنّ السّفاحَ جنى عليها
فانتهت
خوداً تبيع الطهر في سوق النخاسةِ
لا يرى فيها العبيدُ
سوى مضاجعة الجسدْ
أما التشبّث بالحياءِ
فربما اغتالته أطماع الخطاةِ
وعلقتهُ
على حبال من مسدْ
يا ليتها
من قبل أن عرفت نزوع الصائلينَ
توكأت
حيرى تدبّ على أفانين الأبدْ
لترى هناك مصيرها
وترى هناك مصيرهم
يمضي إلى سفح النهايةِ
ليس يسأل عن شكايتها أحدْ
كانت.. كما غنى الربيع خميلةً
يعدو لديها الخصبُ
ينبت خيرها
تعطي كما يعطي الترابُ الروحَ
للجذر المسافر عبرهُ
وتعيده من بعد أسفار الأمدْ
فإذا بها
والبائعونَ
الشاربون على ثراها
كلّ ساعات الرغَدْ
تدري بأن الحلم إيذان الفناءِ
وأن كل دروبها
أقوت
وعادت بعد ما كانت دروب الخالدينَ
السالكين شعابها
رغم الوعورة والصُّرَدْ
دربَ المهانة
والخيانةِ
بعدما حطّتْ على أفنانها أحلامهم
وهي التي
ما كان يرقى شأوَها
إلا البزاةُ
وها هيَ
انهارت وأضحت قفرةً
تعوي بها ريح الكمدْ
وإذا بها
وجماحهم
وبقيةٌ
كانت وما زالت
تراودها عن الباقي من الشرف المهانِ
تقول من عمق الجراحِ:
تزوّدوا مني البقيةَ
ربما
إذ أصبحت روحي بغيّاً
أزرع الخذلان في أصلابكم
علي أراكم
زاحفين علي الجباهِ
إلى مخاصرة الأمومة والولَدُ
وأرى بكم
من بعدما انخذل العفافُ
نهايةً
يأتي عليها الوحلُ
إن أَنِفَ الترابُ ترابكم
ونأى بهِ
عن كل ما أفنى الصّيَدْ
وأرى بكم
ماذا أرى
وبكم.. ومنكم
كلّ ما يرمي الزمان من المفاسد
إن تطهّرَ
أو تعهّرَ
أو تعبّدَ
أو فسدْ